عرفنا من العلماء من اشتهر بالخطابة ، والذكاء والنجابة ، وسرعة البديهة والإصابة وهذا أعظم ما يذكر به وعرفنا من العلماء من عندهم فهم ثاقب ، ونظر صائب ، وذهن يغوص على العجائب ، ثم ليس يذكر إلا بهذا .
وعرفنا من عنده حافظة قوية ، وفي صدره متون مروية ، وفي ذاكرته علوم محكية ، ثم هذا غاية ما عنده . ولكن ابن باز حافظة بفهم ، وذاكرة بعلم ، وسداد في روية ، وثبات مع حسن طوية ، معه حجة ناطقة ، ونية صادقة .
كالسيف إن تغمده أو تسلله ما
معروفه وثباته وصفاته
في حده عيب ولا تقصير
في صوته يوم القتال صرير
بلغ ابن باز منزلة لا يرفعه المدح ، ولا يضعه القدح ، فاستوى عنده الثناء والهجاء ، ولم ينفعه مدح الأصدقاء ، وما ضره ذم الأعداء ، لأنه يعامل رب
الأرض والسماء .
من كان فوق محل الشمس موضعه
فليس يرفعه شيء ولا يضع
ليس في قاموس ابن باز تفصح ولا تبجح ولا تمدح .
لا يحب الإطراء والمراء والإغراء ، لا يتزلف عنده برنين الدعاية ، ولا يتقرب لديه برخيص السعاية ، لأنه قد حقق الولاية .
ليس العلم عند ابن باز بالتفاصح ، والتمادح ، والزهو بالمشالح ، والحرص على المصالح ، بل العلم لديه حمل الشريعة في إخبات ، وطلب الفائدة بإنصات ، والعمل بالحجة في ثبات . العالم من عند الحرام كف ، وعن الشهوات عف ، وقال على غرور الدنيا تف ، وكذلك كان ابن باز .
ابن باز من مدرسة التجديد ، وليس من أهل التقليد ، بل هو صاحب حجة ، سالك المحجة ، معتصم بالبرهان ، عالم برضى الرحمن . ليس بمتعصب للمذهب ، بل يتبع الحق أينما وجد ، ولا يتجاوز الدليل إذا صح السند .
صحبت هذا الشيخ فلم أر فيه عجرفة المتطاولين ، ولا تخرص المتقولين ، ولا ترخص المتأولين ، ولا غرور الجاهلين ، بل دأب في تحصيل الفضيلة ، وحرص على الصفات الجليلة ، واتصف بالأخلاق الجميلة .
مخ ۷۰