واعلم أن الصادق يجعل الله لدعوته التأييد والتمكين ، والكاذب يظهر الله عواره ولو بعد حين . وهذا الإمام لم يكن مطلبه السلطان ، وجمع الجنود والأعوان ، والاستيلاء على البلدان . بل كان قصده تصحيح معتقد الناس ، وتصفية التوحيد مما أصابه من الأدران والأدناس ، وإزالة الخطأ والالتباس ، فأصاب عين الحقيقة ، ولزم أحسن طريقة ، حتى شرقت بالخير ركائبه ، وغربت بالفضل نجائبه ، فتقبلها عباد الله بقبول حسن ، وعدوها عليهم من أعظم المنن ، وشرق بها من ضل رشده ، وخاب جهده ، فما ضر إلا نفسه ، وما اقتلع إلا غرسه ، وهذه سنة الله في البشرية ، وحكمته في البرية .
لا تشرق شمس دعوة صادقة ، بالتوحيد ناطقة ، إلا قيض الله لها أنصارا وأعداء ، لتتم سنته في المدافعة بين الفجار والأولياء ، وليتخذ شهداء .
بدأ الإمام بالتوحيد لأنه المسألة الكبرى ، والعروة الوثقى . لأن من يعلم الناس الفروع وقد ذهبت الأصول ، كمثل من يداوي الأجسام وقد فقدت العقول ، وكيف تفلح أمة يطوف على القبور رجالها ، وينشأ على الشرك أجيالها .
قبل أن تدرس الناس الفروع الفقهية ، صحح لهم مسألة الألوهية ، وقضية العبودية ، لتأتي البيوت من أبوابها ، وترد المسببات إلى أسبابها .
وقبل أن يعلم الناس أبواب السياسة ، وطرق الوصول إلى الرئاسة ، يجب تعليمهم الدين الخالص الذي دعت إليه الأنبياء ، والتوحيد الحق الذي جاءت به الملة الغراء .
مخ ۶۴