هذا المجدد لم يأت بمرسوم من الأستانة ، ولمن يطلب المنزل لدى العامة والمكانة ، بل جاء مصلحا يعيد الأمة إلى سيرتها الأولى الربانية ، وإلى ما كانت عليه من المحاسن الإيمانية، والتعاليم الربانية . وجد في زمن هذا الإمام ، في بلاد الإسلام ، مشائخ لهم عمائم كالأبراج ، وأكمام كالأخراج . تفعل أمام أعينهم كل طامة ، وهمهم تبجيل العامة ، يجبون الأموال بالاحتيال ، فلا يفتي أحدهم إلا بثمن معجل ، أو برهان مؤجل ، ليصبح العلم لديهم عمامة مكورة ، وجبة مدورة ، يعظم بها لدى الرعاع ، ويسكت عن كل شرك وابتداع . يرى أحدهم الجهال يطوفون بالقبور ، فلا يغضب ولا يثور ، لأن دماء حب الدنيا في عروقه تجمد ، فهو تائه مقلد ، بارد متبلد .
فجاء هذا الإمام الذي ما تدنس بالدنيا جلبابه ، ولا اتسخت بالبدعة ثيابه ، وقد عقد العزم ، واتصف بالحزم ، تحدوه همة عارمة ، وعزيمة صارمة ، فدعا إلى تجديد ما اندرس من الدين ، وإظهار ما خفي من دعوة سيد المرسلين .
فكان الناس معه أقسام ثلاثة ، فأصحاب حسد ، ضل رشدهم وفسد ، لسان حالهم : لماذا اختير هذا من بيننا ، إنه يدعو إلى غير ديننا ، فكبتهم الله بنصر هذا الإمام ، وتآكل حسدهم في صدورهم على مر الأيام .
وأصحاب بدعة وهوى ، سقط نجمهم وهوى ، ذاق منهم الأمر ، فاحتسب الأجر وصبر . وأصحاب قلوب حية ، وفطر نقية ، عرفوا أن دعوته دعوة مرضية ، سلفية سنية ، فركبوا في سفينة التجديد ، مع هذا الإمام الرشيد ، حتى وصلوا معه إلى شاطئ الإصلاح ، وساحل الفلاح . فإذا رأيت من ينال هذا الإمام ، ويحط من قدر هذا الهمام ، فاعلم أنه مخذول مغرور ، أو جاهل مغمور .
مخ ۶۳