مقامة الإمام محمد بن عبد الوهاب
{ ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره }
أغر تشرق من عينيه ملحمة
في همة عصفت كالدهر واتقدت
من الضياء لتجلو حندس الظلم
كأنه الغيث يسقي الأرض بالديم
الإمام المجدد ، شيخ الإسلام الموحد ، الذي جدد دين النبي محمد . أصبح في الإسلام علما معروفا ، وصار بالإمامة موصوفا . دعا في التوحيد أصل الأصول ، وتابع
الرسول ، وجمع بين المنقول والمعقول .
خرج في زمن أحوج ما يكون إلى مثله ، في علمه وعقله ، فذكر الخلف ، عقيدة السلف ، تدرع بالعلم في فترة ركنت العقول إلى الجهل ، وتسلح بالصبر في زمن قل الناصر لأهل الفضل ، وذكر الناس بأعظم مسألة دعا إليها الأنبياء ، وهي أهم قضية عند العلماء ، فصحح للناس أصل المعتقد الحق في ربهم تبارك في علاه ، ونفض عن عقول أهل زمانه ما نال جناب التوحيد وشوه محياه . فحمى جناب التوحيد ، وسد كل ذريعة تفضي إلى الشرك بالولي الحميد ، لم تكن دعوته صوفيه ، بنيت على شفا جرف هار من المخالفات البدعيه ، التي تنافي الأصول الشرعية ، بل كان صاحب أثر ودليل ، وتحصيل شرعي وتأصيل . ولم تكن دعوته فكرية تبنى على افتراضات العقول ، بل أثرية سلفية تقوم على ما صح من المنقول .
هذا الإمام ، لم يشغل الأمة بعلم الكلام ، بل أسعد الناس بميراث سيد الأنام . ولم يتشدق بعلم المنطق ، بل سال بيانه بالعلم الموثق ، وجرى لسانه بالقول المحقق . وسلمه الله من طيش الفلاسفه ، أهل الزيغ والسفه ، فكان صاحب حجة قاضيه ، على سنة ماضيه ، على طريقة من سار ، من السلف الأبرار ، يعرض المسألة في سهولة ويسر ، مجانبا المشقة والعسر ، فدنا إليه قطاف الملة المحمديه ، وجبى إليه ثمار الشريعة المحمديه .
عرف الجادة فوصل ، ودعا إلى ما دعا إليه الرسل . كان في زمنه علماء ، وفي عصره فقهاء ، لكن منهم من ظن أن السلامة في السكوت ، ولزوم البيوت ، وطلب القوت ، ومنهم من كان في علمه لوثة من البدع ، فكيف يدعو الناس إلى ما أنزله الله وشرع ، ومنهم من اشتغل بالمناصب ، عن أداء الواجب ، فهمه ثمن بخس دراهم معدودة من الحطام ، يأخذها ثمنا لفتاوى يتخذ بها جاها عند الطغام .
أما هذا الإمام المحفوظ بالعناية ، المحاط بالرعاية ، فأشرقت شمسه من مطالع السنة ، وصارت قافلته الميمونة إلى الجنة .
مخ ۶۲