ألف الاستقامة فأحيا بها سوق الأتباع وأقامه ، وألف درء التعارض ، ورد على ابن الفارض ، وما نسينا، اعتراضه على ابن سينا ، ودحض بالرأي المصيب ، أخطاء الرازي ابن الخطيب ، وحذر من كذب الشعراء ، وزجر عن الظلم الأمراء ، وأخبر أن في الصوفية أخطارا خفية ، مخالفة للسنة المصطفوية ، ودفع بالدليل أهل التأويل ، وبالتأصيل أهل التعطيل ، وبحسن التحصيل، أهل التجهيل والتخييل ، وهو متكلم بارع ، لكل خير مسارع ، متبع للشارع ، وله إشراق في العبارة ، ولطف في الإشارة ، مع سلامة صدر ، وارتفاع قدر ، وربما كتب في الجلسة عدة كراريس ، يأتي فيها بكل مفيد نفيس ، وكان يطالع في الآية أكثر من مائة تفسير ، ثم يقلب بعد ذلك التفكير ، فيأتي بعد ذلك بعلم كثير ، وكان يمرغ جبهته ساجدا، ويدعو الله جاهدا، فيفتح عليه الفتاح العليم ، بكل معنى كريم ، ورأي مستقيم ، وكان يكثر من الابتهال والسؤال ، ويلجأ إلى الله في كل حال ، كثير التذلل لمولاه ، كثير الخشوع له إذا دعاه ، وكان يطيل الصلاه ، مخبت أواه ، دائم الإلحاح والمناجاه ، والرجل محفوظ بعين الرعاية ، غني عن الإعلان والدعاية ، ترجم له حتى الخصوم ، والرجل ليس بالمعصوم ، لكن الله فتح عليه فتوح العارفين ، فكان آية السائلين ، وقد كشف أخطاء صاحب الكشاف ، وبين مخالفته للأسلاف ، وأظهر للأحياء ، أغلاط صاحب الإحياء ، وزيف كتاب الفتوحات ، وأبرز ما فيه من أمور قبيحات ، وأغار على أساس التقديس ، وأخرج منه نزغات إبليس ، وسقى كأس الندامة، صاحب منهاج الكرامة ، وشرح مذهب الوسطية ، في الرسالة الواسطية ، وأظهر لدينه حمية، في كتاب الحموية ، ودمر صروح أهل المنطق في التدمرية ، ورد على الفلاسفة ، وأخبر أنهم أهل سفه ، وأنهم أخطأوا في الاسم والصفة ، وغلط التلمساني العفيف ، وأثبت ضلال القونوي صاحب التصنيف ، وزندق الحلاج ، وذم الحجاج ، وانتقد الغزالي ، وذكر أخطاء أبي المعالي ، ولام علماء الكلام ، وأهل الجور من الحكام ، وله رسالة في السياسة الشرعية ، وسفر في الأمور البدعية ، وله رسائل طويلة ، في التوسل والوسيلة .
وتكالب عليه أهل البدع ، وسجن فما رجع ، وكان الله معه فما وقع ، وجمعوا له العلماء فبزهم ، وهددوه فهزهم ، وقد خوفوه السلطان ، وأخرجوه من الأوطان ، فما لانت له عريكة ، وما ذابت له سبيكة ، وعرضوه للموت ، فرفع على الباطل الصوت ، وحاولوا أن يرشوه ، وبالمال ينعشوه ، فأبى واستعصم ، وحلف وأقسم ، لا يبيع دينه بعرض ، ولا يكون له دونه غرض، وكان يطلب الشهادة ، ويجود للآخرة زاده ، ويضمر للجنة جواده ، وامتحن في سبيل الله أكثر من مرة ، وحصل له الجاه فما غره ، والعصاة كانوا يتوبون على يديه ، وتزدحم الوفود عليه ، وكان يتكلم بكلام يدهش الحاضرين ، ويذهب بلب المناظرين ، وكانت الطوائف تحضر درسه ، فيذهلهم بكثرة علومه في جلسه وأقسم بعضهم ما رأينا مثلك ، وما أبصرنا شكلك ، وكانت العامة تقف إجلالا له في الطريق فيقابلهم بخلق رقيق ، وقد آذى الحساد أحبابه ، ونالوا أصحابه ، فما زادهم به إلا تعلقا ، وعليه إلا تحرقا ، والكل عليه مشفق ، والعالم على حبه مطبق ، وليس في تركته دينار ولا درهم ، فأنسى الناس بزهده إبراهيم بن أدهم ، وكلما حصل له من مال ، أنفقه ذات اليمين وذات الشمال ، وهو الذي أفحم القبورية ، ونشر معتقد السلف في سورية ، وألزم الحكام بشريعة الإسلام ، ودفع من قرمط في النقليات ، وسفسط في العقليات ، وهو الذي قعد للعقيدة القواعد ، ودبج تلك الفوائد الفرائد ، وكلامه يتميز على كلام سواه ، وقد نصره الله على من عاداه ، وظهرت على يديه كرامات ، وعليه من السنة علامات ، وذكر المزي أنه ما سمع بمثله من خمسمائة عام .
مخ ۶۰