بالعلم والإخلاص أنت مدجج وكان يرى أنه لا يسع أي أحد الخروج على الشريعة ، وأن الأحوال والأقوال والأفعال المخالفة لها إنما هي أمور شنيعة ، ويقول في المنطق ، وهو قول عارف محقق : لا ينتفع به البليد ، ولا يحتاج إليه الذكي الرشيد .
وهو لحم جمل ، غث على رأس جبل ، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل، والرجل له حساد ، لأنه تفرد وساد ، وجاهد لإصلاح كل فساد.
وهو صاحب أحوال عجيبة ، وآراء مصيبة ، وله مقامات جليلة ، ومذاهب جميلة، حلم عمن حسده ، وأكرم من قصده ، خاطب السلطان بأثبت جنان، وأفصح لسان ، وطالبه بحمل الناس على السنة النبوية، والأخلاق المحمدية ، وشفع لأهل الحاجات ، وأرباب الضرورات. ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يجعل له من دون الله ملتحدا ، بل كان يكتفي بالقليل ، ويراه كافيا لمن عزم على الرحيل ، وكان يعيش على شظف ، مقتديا بمن سلف ، ويرى أن الزائد على القوت إشغال ، وأن الدنيا دار أهوال ، وكان ينفق كلما يجد ، ولم يحجب معروفه عن أحد ، وكان الغريب ، يجد عنده من الترحيب والتقريب ، والمؤانسة وعدم التثريب.
وكان يعظم السنة أجل تعظيم ، ويسعى في صيانتها عن كل معتد أثيم ، وقد رزق السعادة في التأليف ، وأعطاه الله الحظ في التصنيف ، وقد طرقت العالم رسائله ، وأذنت في أذن الدنيا مسائله ، وشرقت كتبه وغربت ، وسهلت كل صعيب وقربت ، وفيها من حسن السبك ، ومتانة الحبك ، ما يدهش العقول ، مع جمعها بين المعقول والمنقول . وكان يعتصم بالبرهان ، ويعود إلى تحقيق وإتقان ، وأقر بعبقريته المخالف والموافق ، وعجب من سرعة بديهته المؤمن والمنافق .
وقد نشر الله علومه ، وقهر خصومه ، وثبت بالحق جنانه ، وسدد بالصدق لسانه ، مع تمام ديانة، وكمال أمانة ، وحسن صيانة ، وعظيم مكانة .
مخ ۵۷