فزاره الموت لا عين ولا أثر ما مر من قديم الزمان ، ملك كملك سليمان ، فقد علم منطق الطير بلا ترجمان ، وقد اجتمعت في غيبته الحيوانات والطيور ، في يوم فرح وسرور ، وهناء وحبور ، فقالت البهائم للأسد : أيها الأمير ، اجلس على السرير ، فإنك أبونا الكبير ، فتربع جالسا ، ثم سكت عابسا ، فخاف الجميع ، وأصبحوا في موقف فظيع ، فقام الحمار ، أبو المغوار ، فقال : يا حيدرة ، سكوتك ما أنكره ، فقال الأسد : يا حمار البلد ، يا رمز الجلد ، سكت لأن الثعلب غاب ، وقسما لو حضر لأغرزن في رأسه الناب ، فقام الذيب يتكلم وهو خطيب مصيب ، فقال للأسد : يا أبا أسامة ، إن الثعلب قليل الكرامة ، عديم الشهامة ، فليتك تورده الندامة ، فهو لا يستحق السلامة ، وكان أحد التيوس مع الجلوس ، فانسل إلى الثعلب فوجده يلعب فقال : انتبه أيها الصديق ، فالكمين في الطريق، إن الأسد يتوعدك بالذبح ، فاجتهد معه في الصلح ، فقال الثعلب : فمن الذي دهاني عنده ، وغير علي وده ، قال التيس : هو عدوك وعدوي ، الذي في واد يدوي ، هو الذيب الغادر ، صاحب الخيانة الفاجر ، قال الثعلب : أنا الداهية الدهياء ، لأنثرن لحمه في العراء ، أما سمعت الشاعر أحمد ، إذ يقول في شعر مسدد :
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهي المحل الثاني
فلما حضر الثعلب إلى الأسد ، ودخل مجلسه وقعد ، قال أبو أسامة ، والثعلب أمامه : ما لك تأخرت يا بليد ، تالله إن الموت أقرب إليك من حبل الوريد .
مخ ۴۵