نوح الهداية ، ينادي ابن الغواية : اركب معنا ، فإن القارب يسعنا ، فقال الهبل : سآوي إلى جبل ، وما علم أن أعظم جبل ، إتباع سيد الرسل ، وطاعة الملك الأجل ، والعمل بما نزل .
المقامة اليوسفية
{ لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين }
كأن الثريا علقت بجبينه
وفي جيده الشعرى وفي وجهه القمر
ولو نظرت شمس الضحى في خدوده
لقالت معاذ الله ما يوسف بشر
كنا نجلس كل يوم ، مع قوم ، ينتقون من الحديث درره ، ويذكرون لنا العالم بحره وبره . فدلف علينا يوما من الأيام ، شيخ ممشوق المقام ، كثير الابتسام ، فصيح الكلام ، فنظر في وجوهنا وتوسم ، ثم تبسم وسلم ، ثم جلس واتكى ، وتأوه وشكى .
قلنا: ما الخبر ، أيها الشيخ الأغر ؟ قال : تذكرت من غبر ، أهل الأخبار والسير ، فعلمت أننا بالأثر ، قلنا : ما الاسم ، فقد أعجبنا الرسم .
قال : أنا عبيد الله بن حسان ، من أهل ميسان ، قلنا : كلامك محبوب ، فقص علينا قصة يوسف بن يعقوب ، فقال : مهما اهتم العالم بالحفظ وحرص ، لكن الذهن فتر والخاطر نكص . وكفى بقصص الله وهو يقول : { نحن نقص عليك أحسن القصص } ، لكن سوف أخبركم بوقفات ، والعفو عما نسيناه وفات .
لما نصح يعقوب يوسف أن لا يقص ما رأى ، لأنه يخشى عليه ما جرى ، فإنه ما خلا جسد من حسد ، وكم من قلب بنعم الغير فسد ، فيا أيها العبد استر جمال يوسف النعم ، خوفا من أن تلقى في غيابة جب النقم ، فيسلط عليك ذئب البغضاء ، لا ذئب الصحراء :
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى
وصوت إنسان فكدت أطير
لا تعتذر للمخالف ، فيأخذ العذر منك وأنت واقف ، أما ترى يعقوب ، يوم خاف على ابنه الخطوب ، قال : أخاف أن يأكل الذئب يوسف ، فقالوا : أكله الذئب فلا تأسف ، فكأنه هيأ لهم الحجة ، حينما ضلوا في المحجة .
مخ ۴۱