والهدهد حمل علما إلى سليمان ، فسطر الله اسمه في القرآن ،فهو بالحجة دمغ بلقيس، وأنكر عليهم عبادة إبليس ، وحمل من سليمان رسالة ، وأظهر بالعلم شجاعة وبسالة . فعليك بالعلم ، والفهم فيه الفهم ، وتصدق عليه بنوم الجفون ، وأنفق عليه دمع العيون ، واكتبه في ألواح قلبك ، واستعن على طلبه بتوفيق ربك ، وأتعب في طلبه أقدامك ، وأشغل بتحصيله أيامك ، وإذا سهر الناس على الأغاني ، فاسهر على المثاني ، وإذا وقع القوم في الملذات ، وأدمنوا الشهوات ، فاعكف على الآيات البينات ، والحكم البالغات ، وإذا احتسى العصاة الصهباء فاكرع من معين الشريعة الغراء ، وإذا سمعت اللاهين يسمرون ، وعلى غيهم يسهرون ، فصاحب الكتاب ، فإنه أوفى الأصحاب ، وأصدق الأحباب ، وإذا رأيت الفلاح يغرس الأشجار ، ويفجر الأنهار ، فاغرس شجر العلم في النفوس ، وفجر ينابيع الحكمة في الرؤوس ، وإذا أبصرت التجار يصرفون الفضة والذهب ، فاصرف الحجة كالشهب ، وأطلق الموعظة كاللهب .
يكفيك أن العلم يدعيه غير أهله ، وأن الجهل ينتفي منه الجاهل وهو في جهله ، يرفع العالم الصادق بعلمه على الشهيد ، لأنه يقتل به كل يوم شيطان مريد ، العالم سيوفه أقلامه ، وصحفه أعلامه ، ومنبره ظهر حصانه ، وحلقته حلبة ميدانه ، العالم يفر من الدنيا وهي تلحقه ، ويأبى المناصب وهي ترمقه ، والعلم هو العضب المهند ليس ينبو ، وهو الجواد المضمر الذي لا يكبو ، ولكن المقصود بهذا العلم علم الكتاب والسنة ، الذي يدلك على طريق الجنة ، وهو ما قادك إلى الاتباع ، ونهاك عن الابتداع ، فإن كسرك وهصرك ونصرك ، فهو علم نافع فإن أعجبك وأطربك وأغضبك فهو علم ضار ، ما كسرك عن الدنيا الدنية ، والمراكب الوطية ، والشهوات الشهية ، وهصرك عن العلو في الأرض ، ونسيان يوم العرض ، ونصرك على النفس الأمارة ، والأماني الغدارة ، فهذا هو العلم المفيد ، والعطاء الفريد .
مخ ۳۵