كل في فلك يسبح ، وكل في عالم يمرح ، شمس تجري كأنها تبحث عن مفقود ، قبل أن تطلع تسجد للمعبود ، آية باهرة ، وحكمة ظاهرة ، في خلق الإنسان ، ذلك الكيان ، الذي يحمل جامعات من السكنات والحركات ، فذهن متوقد ، وقلب متجدد ، وخيال يطوي الزمان والمكان ، ويناقل الإنسان ، بين خوف وأمان ، وذاكرة حافظة ، وألسنة لافظة ، وشركات في كل الأعضاء ، منها يجذب الهواء ، ويسحب الماء ، ويهضم الغذاء ، ويجلب الدواء ، ويذهب الداء ، ما بين دفع وضغط ، وإخراج وشفط ، ومؤسسات تشارك في بناء الجسم ، وفي قيام الرسم ، ليكون في أحسن تقويم ، وأكمل تنظيم ، في الطير وهو يبحث عن طعامه ، ويعود إلى مستقره ومنامه ، في الكائنات وهي في صراع محموم ، وفي هموم وغموم ، لتحصل على رزقها المقسوم ، وعيشها المعلوم ، في الإنسان وهو يفكر ويقدر ، ويقدم ويؤخر ، ويخطط وينظر ، في الجبال ، واقفة في هيبة وجلال ، في الروابي الخضراء آية في الجمال ، في العافية والأسقام ، في الحقيقة والأحلام ، في اليقين والأوهام ، في الأقدام والأحجام ، في السحاب والسراب ، والضباب والرضاب.
في الأحياء ، وحبها للبقاء ، ومدافعتها للأعداء ، فهذا بمخلبه يصول ، وهذا بنابه يجول ، وهذا بمنقره يناضل ، وذاك بريشه يقاتل ، وآخر بسمه يدفع ، وغيره بجناحه يردع ، منهم من يطير ، ومنهم من يسير ، ومنهم من يسبح ، ومنهم من يمرح ، ومنهم على رجلين ، ومنهم على يدين ، ومنهم من يطير بجناحين ، هذا يزحف ، وذاك يخطف ، وهذا في قيده يرسف ، في التقاء الأحباب والفراق ، في الضم والعناق ، في الركود والانطلاق .
في النجمة هائمة في صفحة السماء تبسم في حنادس الليل ، في البدر تفنيه الليالي ويدركه المحاق كأنه قتيل ، في روعة الإشراق ، وقد نشرت الشمس ضفائرها ونثرت جدائلها على التلال ، وبثت سحرها على الجبال .
مخ ۲۲