مقامات القرني

عائض القرني d. 1450 AH
139

مقامات القرني

مقامات القرني

ژانرونه

صمت الخطباء وما صمت ، وسكت الشعراء وما سكت ، ومات الملوك ولم يمت ، حذر به المصطفى الأكاسرة ، وأنذر به القياصرة ، وخوف به الجبابرة ، صدر به قتل الحسين ، وخط به خلع الأمين . وسطر به الوحي في طور سينين ، وروى لنا الجمل وصفين ، يشعل الحرب ولا يحضرها ، ويستودع الأسرار فينشرها ، يتململ في كفك تململ السليم ، ويتقلب تقلب السقيم ، ويبكي بكاء اليتيم ، خط به أفلاطون كتاب الجمهورية ، وأقام به المعتصم وقعة عمورية ، ونمق به ابن تيمية الواسطية ، والحموية ، والتدمرية ، نقل لنا سيرة ابن إسحاق ، وحديث عبد الرزاق ، وعجائب الآفاق ، وأخبار العشاق ، نقض الصعلوك ، ودفع الشكوك ، ونادم المملوك ، يفهم بالإشارة ، ويرسم العبارة ، إن كتب به الأحمق تدفق ولم يترفق ، وضل ولم يوفق ، وإن كتب به الرجل الرشيد جاءك بالقول السديد ، والعلم المجيد ، والنقل الحميد .

يطير العلم من الرأس ، فيقيده القلم في القرطاس ، وإذا حمله الأمي قال لا مساس ، مؤدب لا ينتقد ، ومقلد لا يجتهد ، يسهر بلا قيام ، ويجوع بلا صيام ، له كل يوم شجون ، وعنده من الحكمة فنون ، يخون الحفظ وهو لا يخون ، صغير الجرم ، كبير الجرم

واسمع أبا تمام يصف الأقلام في أبدع كلام :

لك القلم الأعلى الذي بشباته

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه

له ريقة طل ولكن وقعها

فصيح إذا استنطقته وهو راكب

إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت

أطاعته أطراف القنا وتقوضت

إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت

وقد رفدته الخنصران وسددت

رأيت جليلا شأنه وهو مرهف

تصاب من الأمر الكلى والمفاصل

وأري الجنا اشتارته أيد عواسل

بآثاره في الشرق والغرب وابل

وأعجم إن خاطبته وهو راجل

عليه شعاب الفكر وهي حوافل

لنجواه تقويض الخيام الجحافل

أعاليه في القرطاس وهي أسافل

ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل

ضنى وسمينا خطبه وهو ناحل

مخ ۳۹