وضرب طلحة يوم أحد بالسيوف والرماح ، فما شكى ولا صاح ، حتى سال بالدم جبينه ، وشلت يمينه ، ويبقى دينه ، لأن التوحيد قرينه . وقاتل مصعب قتال الأسود ، حتى وسد اللحود ، لأنه وحد المعبود . ولما حضر عبد الله بن جحش معركة أحد ، دعا واجتهد ، بكلام يبقى إلى الأبد ، فقال : اللهم هيئ لي عدوا لك شديد حرده ، قوي بأسه ، فيقتلني فيك فيجدع أنفي ، ويبقر بطني ، ويفقأ عيني ، ويقطع أذني ، فإذا لقيتك يا رب فقلت لي : يا عبد الله لم فعل بك هذا ؟ قلت : فيك يا رب . فهل سمعت نشيدا كهذا النشيد ، وهل أطربك قصيدا كهذا القصيد ، لأنه من ديوان التوحيد .
وضع أحد الظلمة أحد الأولياء ، بين يدي الأسد ليتركه أشلاء ، شمه الأسد ثم تركه وذهب ، قيل للولي : لماذا تركك ؟ قال : بسبب التوحيد وهو أعظم سبب ، قالوا : فماذا كنت تفكر ؟ قال : كنت أفكر في سؤر الأسد هل هو طاهر أم نجس يطهر .
واعلم أن صدق التوحيد أقام بعض الأولياء ، في الليلة الظلماء ، في ذروة الشتاء ، يتوضأ بالماء ، ويقطع الليل بالصلاة والدعاء ، والمناجاة والبكاء ، وحرارة التوحيد أيقظت في الصالحين ، ذكر الله كل حين ، فلهم بالتسبيح زجل وحنين ، وعزيمة التوحيد دفعت المنفقين ، وجعلتهم بأموالهم متصدقين ، على الفقراء والمساكين .
إذا ناداك نوح التوحيد ، وقال اركب معنا أيها العبد الرشيد ، فلا تفوتك سفينة الحميد المجيد ، وجد إبراهيم بن أدهم ورقة مكتوب فيها الله وقد سقطت في الطريق فبكى وحملها ، وطهرها وطيبها ، فطهر الله نفسه ، وطيب اسمه ، وقد أوصى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ، أن يكون أول ما يدعو إليه توحيد الله عز وجل . وكان يبدأ بالتوحيد خطبه ، ويخط به كتبه ، ويدعو إليه ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا .
المقامة الإلهية
{ إنني أنا الله لا إله إلا أنا }
مخ ۶