الفصل الثاني
أعلم، وفقني الله وإياك، أنه قد ورد إطلاق غفران جميع الذنوب عند فعل [بعض] الطاعات من [غير] تقييد بالتوبة، كأحاديث الوضوء تكفر ذنوب، من توضأ، هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه. وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة. من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه. من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له، ما تقدم من ذنبه. من حج ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ونحوها. قال الزركشي: وقد حملوا على ذلك الصغائر، فإن الكبائر لا تكفرها إلا التوبة، ونازع في ذلك صاحب الذخيرة، وقال: فضل الله أوسع من ذلك، وكذلك قال ابن المنذر في الإشراف في كتاب الاعتكاف في قوله ﷺ: من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له من تقدم من ذنبه، قال: يغفر ذنوبه صغيرها وكبيرها، وحكاه ابن عبد البر عن بعض المعاصرين له، قيل: يريد به أبا محمد الأصيلي المحدث، فقال: يقول إن الكبائر والصغائر تكفرها الطهارة والصلاة لظاهر الأحاديث، قال: وهو جهل بين، موافقة للمرجئة في قولهم، ولو كان كما زعموا لم يكن للأمر بالتوبة معنى، وقد أجمع أنها فرضت لقوله ﷺ: كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. أ. هـ. قوله ﷺ: كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. أ. هـ. قوله وهو جمل إلى الآخر ليس بالخالي عن الإفراط؛ إذ الفرق بين القول بعموم التكفير وبين ما ذهب إليه المرجئة في غاية الوضوح، ولو صحَّ ذلك ذهابًا إلى قول المرجئة كلزوم مثله بالنسبة إلى التوبة، فإنه يسلم أن التوبة تكفر الصغائر والكبائر، وهي من جملة أعمال العبد، وكما جاز أن يجعل الله تعالى هذا العمل الذي هو التوبة سببًا لتكفير جميع الذنوب، يجوز أن يجعل غيره من الأعمال كذلك.
وقوله: ولو كان كما زعموا إلى آخره مردودًا؛ لأنه لا يلزمن تكفير الذنوب الحاصلة عدم الأمر بالتوبة، وكونها فرضًا إذ تركها من الذنوب المتجددة التي لا
يتناولها التكفير السابق بفعل الوضوء مثلًا، ألا ترى أن
1 / 186