65

مقالات موقع الدرر

مقالات موقع الدرر السنية

ژانرونه

ومن أخطر ما يترتب على هذا ما نبه عليه (داريوش شيغان) من أن الديمقراطية تتطلب «علمنة العقول والمؤسسات» أي أن تبنى على أساس علماني، وذلك يستلزم بكل تأكيد قيام المجتمع الديمقراطي بتكريس المفاهيم العلمانية لتتشربها العقول والأفكار، كما يستلزم صبغ المؤسسات الكبار في الدولة بالصبغة العلمانية.

وهذا سبب تركيزهم على ما سموه (الروح الرياضية) بتقبل الرأي الآخر وعدم منعه، مهما كان بالغا في الضلال، على حد قول (توماس جيفرسون): «لا يضيرني إن قال جاري: إن هناك عشرين إلها، أو لا إله» (انظر لما تقدم من تعريف الديمقراطية والنقول كتاب نقض الجذور الفكرية للديمقراطية ص20 - 24، 88).

فتأمل تهميش الخلاف مع الملحد والوثني من جهة، وتأمل شدة ربط الديمقراطية بالعلمانية لدى المصدرين لها، لتعرف درجة الزيف الذي سلكه المدعون وجود تطابق بين الديمقراطية والإسلام، بدعوى التقاء الإسلام مع الديمقراطية في كذا وكذا من المظاهر العامة التي دندن حولها أولئك المدعون، وكأن الإسلام يقررها على النحو الذي تقرره الديمقراطية، والتي أخفيت كثير من جوانبها الرابطة لها بالعلمانية كما نقلنا هنا.

هذا من جهة توضيح حقيقة الديمقراطية بأسسها التي لا قوام لها إلا بها، كما يقرره أهلها.

أما من جهة التطبيق - وهو الجانب الثاني - فلابد قبل تفصيله من التنبيه إلى أن دعاة الديمقراطية في مشرقنا الإسلامي يصورون من نقدها في مظهر بغيض جدا، إذ يصور على أنه يؤيد البطش والظلم، حتى صاركثيرون يخشون التعرض للديمقراطية بالنقد، لأنهم سيحسبون في عداد الداعمين لما يسمى بالدكتاتورية ، وصارت التهمة بمجانبة المفاهيم الديمقراطية مقارنة للتهمة بالتعدي والإجرام، وكأنما أضحت الديمقراطية وحيا منزلا لا يتطرق إليه الخطأ! والحق أن عددا من المناصرين المتطرفين للديمقراطية - وإن ادعوا سعة الأفق وتقبل الرأي المضاد - يجعلون الديمقراطية في المقام الذي يتعالى عن النقد، كما أوضح جانبا من ذلك صاحب بحث (النقد الغربي للفكرة الديمقراطية) الذي أبان أن هذا ليس هو مفهوم المفكرين الغربيين أنفسهم عن الديمقراطية، لأنهم يقررون أنها مجرد شكل من أشكال الحكم، لها سلبياتها وإيجابياتها، وأنها ليست النظام الأمثل في كل حالة، بل قرروا بصريح العبارة أنها قد لا تناسب مجتمعا ما أو وقتا ما - وإن كان واقع الساسة المتسلطين في الغرب منذ عهد نابليون إلى يومنا هذا هو الذي يكرس أن الديمقراطية يجب نشرها، مهما ارتكب في سبيل ذلك من تجاوزات مدمرة- زد على هذا أن الناظر لنقد الديمقراطية عند اليونان حيث كان مهدها الأول يجد أن أكثر مشاهير فلاسفتهم ومفكريهم قد ذموا الديمقراطية منذ البداية، ونوهوا إلى السلبيات الكبيرة التي تتضمنها، بل اشتهر عن بعضهم شدة العداء لها، وتصنيفها ضمن أنظمة الحكم الفاسدة التي لا تسعى أساسا لتحقيق المنفعة العامة.

ولم يزل نقد الديمقراطية حاضرا وواقعا حتى في تطبيقاتها المعاصرة، حيث ووجهت بنقد مركز عاصف من قبل عدد من المفكرين الغربيين، ومن أهم ما ركزوا عليه في نقدهم ما خلفه تطبيقها من سلبيات شائكة، من أبرزها ما يأتي (والكلام لا يزال مستفادا عن البحث الذي أشرت إليه):

مخ ۶۵