63

مقالات موقع الدرر

مقالات موقع الدرر السنية

ژانرونه

والمقال يتضح بالمثال: فالاشتراكية حين طبقت أفكارها البائدة عدد من البلدان، ورفعت شعاراتها الرنانة، وظهر لها ألوف الدعاة في العالم قابل هذه الأفكار الضالة عدد من المروجين لها داخل بلداننا يزعمون أنها متماشية مع الإسلام، وتداولوا في حينه عبارة: (الإسلام نظام اشتراكي)، ووصموا رموزا كبارا من سلف الأمة بالاشتراكيين، كما هو الحال مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث جعله أنصار هذا التيار (الخليفة الاشتراكي).

ومثل ذلك الديمقراطية، فإن عددا روج لها - ولا يزال - بنفس الأسلوب، فكتبوا عن ديمقراطية الإسلام، وسموا عددا من أحكام الشرع الشريف باسم النظم الديمقراطية، حتى مزج بعضهم بين الشورى والديمقراطية تحت اسم (شوروقراطية)، ومرة أخرى لم يسلم عمر رضي الله عنها من إقحامه في التيار الذي ارتضوه، فصار عندهم (الخليفة الديمقراطي).

والذي لا ينقضي منه العجب أن بعض الذين روجوا للاشتراكية قبل انهيارها بدعوى تآخيها مع الإسلام قد أعادوا الكرة بالترويج للديمقراطية - خصم الاشتراكية - بدعوى تآخيها أيضا مع الإسلام!!

فليت شعري كيف التقى الإسلام مع الاشتراكية ومع الديمقراطية على حد سواء!؟

إن الداء هنا يكمن في وجود من يسايرون هذه التيارات، على حساب الإسلام، مدعين أن ذلك مما يجعل الإسلام دينا مقبولا في الأوساط العالمية، إذ لا مصادمة فيه لديهم لأي اتجاه!

وبناء عليه فإن بروز أي مبدأ على أنقاض الديمقراطية - كما سيرى الناس يوما ما - سيقابل بهذا اللون من التعامل، لأن الإشكال عائد إلى ترسخ منهج عقيم في خلط الحق بالباطل، وطمس معالم الحقيقة، سواء في دين الله، أو في تيارات التيه والضياع الوافدة.

ولا يغيب عن القارئ الكريم أن هذا اللون من التعامل مع هذه التيارات إنما يحدث بكل مرارة داخل أمتنا فقط؛ لأن مروجي تلك التيارات يستيقنون صعوبة، بل واستحالة المناداة العامة بهذه التيارات لدينا بالوجه الحقيقي الذي هي عليه في بلادها، ولذا سعوا إلى عمليات التهجين الفاشلة تلك، لا ليظهروا تلك التيارات في صورة التيار الذي لا يعارضه الإسلام؛ بل في صورة التيار الذي يشهد له الإسلام ويزكيه.

والأمر المؤكد أن التعرف الدقيق على حقيقة أي تيار قديم أو حديث له مسار محدد يعيه كل ذي منهج علمي في دراسة المذاهب والأديا ن، لأن كل تيار له - كما قدمت - أساتذة ومنظرون معتبرون، فهم المصادر التي عنهم صدرت هذه التيارات، كما أنهم المظاهر الذين بهم ظهرت، فالتعرف على حقيقة تلك التيارات إنما يكون من خلال ما سطره هؤلاء بأقلامهم وفاهوا به بألسنتهم، أما المستوردون المتلقون لها فهم مجرد تلامذة لأولئك، منهم يتعلمون، ولهم يتبعون، وعلى خطاهم يسيرون، فهم كما قيل:

نقطتموا لهم وهم خطوا على

نقط لكم كمعلم الصبيان

ومن هنا فإن الحقيقة الكبيرة التي يجب أن نستحضرها دائما هي أن ما ينفيه أولئك التلامذة المريدون - مما قد أثبته الأساتذة المنظرون - ما هو إلا نوع تدليس وتعمية على الناس من قبل المريدين، كما فعلوها مع الاشتراكية عندما روجوا لها بأسلوب مضلل، ولم يجلوها للجماهير المستغفلة بوجهها الكالح الذي يوضح حقيقتها في بلادها التي وفدت منها، حيث الصراحة، بل الوقاحة في عرضها بأسلوب لا يمكن أن يقبله حتى أجهل المسلمين، لو صدق الناقلون في عرضها.

مخ ۶۳