كنت أجول في شوارع باريس يوم 21 فبراير (شباط) من عام 1952، وإذا بشاب لما يبلغ العشرين قد دس في يدي ورقة ثم هرول عاديا كي يوزع ما يحمل من سائر الأوراق التي يبدو أنه كلف بتوزيعها على المارة.
ونظرت في الورقة أقرأ في تمهل وتكاسل، ولشد ما كان عجبي وأسفي معا حين قرأت أن هذا اليوم هو ذكرى اصطدام طلبة الجامعة في القاهرة بالإنكليز المستعمرين، أولئك يطلبون حقهم في الحرية والاستقلال، وهؤلاء يضربونهم بالبنادق احتفاظا باستبدادهم واستعمارهم، وقد وقع هذا الاصطدام في 21 فبراير (شباط) سنة 1946 في ميدان إسماعيل بالقاهرة.
وأصابني دوار عقب القراءة، وتنهدت وتنحيت إلى قهوة، وقعدت أفكر في هذه الحيوية الباريسية، إنهم يحتفلون بذكرى كوارثنا التي كان إسماعيل صدقي يمنعنا من الاحتفال بها.
وعدت أقرأ الورقة سطرا سطرا وكلمة كلمة: حقوق الشعوب، الحرية، الطلبة الأحرار، الاستعمار الإنكليزي، الاستبداد، آلام مصر، شباب مصر.
قرأت، فأحسست الخجل، وعمني الأسف، وذكرت أن إسماعيل صدقي هذا هو الذي أمر باعتقالي في تلك السنة (1946) أنا ونحو مئة وسبعين مصريا آخر، واتهمنا بمحاولة قلب نظام الحكم، ولكن هذه التهمة الظاهرة كانت تخفي تهمة باطنة له هو، هي أنه كان ينوي عقد معاهدة مع الإنكليز. وكان يستعد لها باعتقال جميع الأحرار الذين كان يتوقع معارضتهم، ونجاحهم في منعه، من عقد معاهدة «صدقي - بيفن»، وفي فرنسا يحتفل الطلبة في باريس بهذا اليوم عطفا منهم على زملائهم الطلبة في مصر، وإحساسا بالتضامن البشري في بغض الاستعمار وضرورة مكافحته، سواء أكان في إفريقيا أم في آسيا أم في أميركا. يحتفل طلبة باريس بهذا اليوم، ولكن طلبة مصر لم يحتفلوا به.
لأن حيوية التفكير السياسي في فرنسا تغذوها صحف، وتسهر عليها أحزاب، وتحميها حكومة يأتمنها الشعب، كما تحرص هي على حريات هذا الشعب، وهي حكومة تنهض على مبادئ الدستور الذي ينص على: (1)
حق الانتخاب للمرأة. (2)
حق التأميم. (3)
حق الإضراب. (4)
الانتخاب بالقائمة.
ناپیژندل شوی مخ