وإذا كانت «نهضة» محمد علي هي صميمها نهضة فرنسية تغذوها الثقافة الفرنسية ويحمل أعباءها فرنسيون، فإن الفضل في ذلك يرجع إلى حملة نابليون الذي عقد الصلة بين فرنسا ومصر، صلة العداوات في الأصل ثم صلة الصداقة مع محمد علي بعد ذلك.
أدباء فرنسا في اللغة العربية
ليس غريبا أن يكون للغة الفرنسية شأن كبير بل خطير في مصر ولبنان وسائر الأقطار العربية، فإن حملة نابليون على مصر، ثم استعانة محمد علي بالمستشارين الفرنسيين في إدارة البلاد عامة والجيش خاصة، وأيضا البعثات التي أرسلها محمد علي وإسماعيل إلى باريس، ثم قناة السويس والعديد من الموظفين الفرنسيين فيها، ثم المدارس التي أنشأها الرهبان والراهبات في مصر ولبنان وسوريا، كل هذا قد جعل للغة الفرنسية مقاما كبيرا بين الساسة والمفكرين في كل من مصر ولبنان.
ولكن هذا الانتشار للغة الفرنسية قد حال دون نقل المؤلفات الفرنسية إلى اللغة العربية؛ إذ لماذا أنقل روسو وفكتور هيجو وفولتير؟
أليس المفكرون والساسة، وكبار المشتغلين بالتجارة والمال والتعليم، يقرأون هؤلاء المؤلفين في لغتهم الأصلية؟
ومع ذلك نجد أن موليير قد ترجمت إحدى ملاهيه قبل سبعين سنة، ونجد في أوائل هذا القرن ترجمة البؤساء، أو بالأحرى جزء منها، لحافظ إبراهيم.
ولكن الرجل الذي بسط الأفق الفرنسي للقراء العرب هو بلا شك فرح أنطون، وهو بهذا العمل غير وجه الأدب العربي، ونقل إلينا الكثير من أرنست رينان وجول سيمون وروسو وبرناردن سان بيير ودوماس وفكتور هيجو.
نقل إلينا الحركة الرومانتية في فرنسا، حركة الابتداع التي كانت مزاج جان جاك روسو، بدلا من حركة الابتداع التي كانت مزاج فولتير.
وكنا أحوج ما نكون إلى حركة الاتباع هذه التي نقلتنا من أدب الكتب القديمة إلى أدب الطبيعة، ومن حياة التقاليد والقواعد والقيود إلى حياة البساطة، وكان «الكوخ الهندي» من القصص التي ألفها برناردن سان بيير، والتي أعجب بها نابليون، أول المؤلفات التي نقلها فرح أنطون من الأدب الرومانتي الفرنسي، ثم شغف بعد ذلك بأرنست رينان فنقل عنه كثيرا، وخاصة كتابه عن المسيح الذي فصل من أجله من الكنيسة الكاثوليكية، وكانت علة الفصل أن رينان ترجم حياة المسيح باعتباره إنسانا عظيما حساسا لا أقل ولا أكثر، وهذا ما لا يتفق وعقيدة الكنيسة الكاثوليكية.
وكانت مجلة «الجامعة» التي كان يصدرها فرح أنطون في مصر لا تزيد عن أن تكون جميعا أدبا فرنسيا مترجما، أو أدبا عربيا ملهما بالروح الفرنسية.
ناپیژندل شوی مخ