وفي مصر منعتنا الحكومة الاستبدادية من التفكير الاجتماعي البكر، أو ما يسميه بعضهم التفكير اليساري، فتخلفنا في التفطن إلى الأصول التي ينبع منها الاستعمار، وإلى العوامل التي يستند إليها، وضاعت منا عبقريات في الفهم الاجتماعي العام بسب العقوبات التي عوقب بها بعض المفكرين الذين جرأوا على التفكير.
ومن عجيب ما أقرأ من وقت إلى آخر كلمات لأحد المغفلين ينعي فيها على المرأة في كافة الدنيا عجزها عن الابتكار والتفكير الأصيل. مع أن القليل من التأمل في حالها الاجتماعية يوقفنا على علة هذا العجز؛ إذ كانت المرأة إلى وقت قريب لا تمارس من الأعمال سوى تلك التي تتصل بالبيت، وهى أعمال لا تحتاج إلى ذكاء، ونحن بإصرارنا على منعها من الاختلاط بالمجتمع، إنما وضعنا بذلك قيودا على ذكائها، ومنعناها من تدريبه وتنبيهه، ولكن هذه الخمسين سنة الأخيرة، التي أطلقت فيها المرأة من حدود البيت، وأخرجت إلى ميادين النشاط الاجتماعي المختلفة، بعثت فيها من الذكاء ما يساوي ذكاء الرجل، وما حدث في أوروبا وأمريكا سوف يحدث في مصر.
نعود فنقول مع الإحساس بالتكرار: إن العبقريات، بل الذكاء؛ مثل اللغة التي هي أعظم وسائل الذكاء اجتماعية، وإنه إذا كان المجتمع بتقاليده لا يحتاج إلى العبقرية أو يعاقب على ظهورها، فإنها لن توجد إلا في أفراد شاذين ثائرين سرعان ما يفرون أو ينتحرون أو يعاقبون، وقد رأينا بعض هذا في مصر مما عطل التفكير السياسي عدة سنين. •••
في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ظهرت كوكبة من المفكرين المبتكرين في العالم العربي هم:
ابن رشد الفيلسوف الذي لا تزال فلسفته تناقش إلى الآن في أوروبا.
وموسى بن ميمون الذي هاجر من الأندلس إلى القاهرة، والذى شرح طريقة التفكير المادي.
وابن حزم الذي قال بضرورة الحب، وكان باعثا لإيجاد الحركة الرومانتيكية الأولى في أوروبا.
وابن النفيس الذي عرف الدورة الدموية قبل أن تعرف في أوروبا.
وابن خلدون أول مفكر اجتماعي في العالم كله.
هؤلاء خمسة من المفكرين المبتكرين الذي لم يسبقهم أحد إلى أسلوب تفكيرهم، والذين تجرأوا على نقض المألوف من الأفكار السابقة لهم، كلهم نقضوا شيئا في التفكير القديم وأوجدوا تفكيرا جديدا، ولكننا لا نجد مفكرا عربيا واحدا بعدهم. لماذا؟
ناپیژندل شوی مخ