وقد فهمت عن أرسطو فى العقل المستفاد ما وقفت به على أن ما حركه إلى إدخال عقل مستفاد هو هذا. كان يقول إن القياس فى العقل هو كالقياس فى الحواس وفى جميع الأشياء المتكونة: فكما أن فى جميع ما يتكون يوجد شىء منفعل، وشىء فاعل، وثالث منهما هو المتكون، وفى المحسوسات كمثل ذلك: فإن فيها شيئا منفعلا وهو الحاسة، وشيئا فاعلا وهو المحسوس، وشيئا متكونا وهو الإدراك بالحاسة للمحسوس — فكذلك فى العقل أيضا كان يتوهم أنه يجب أن يكون عقل فاعل يقدر أن يسوق العقل الهيولانى الذى بالقوة إلى الفعل، وفعله هو أن تصير الموجودات كلها معقولة، لأنه كما أن هاهنا أشياء محسوسة بالفعل، كذلك ينبغى أن تكون هاهنا أشياء فاعلة بالفعل فاعلة للعقل، لأنها هى معقولة بالفعل، لأنه لا يمكن أن يكون شىء فاعل شىء آخر وليس هو ذلك الشىء. وليس فى هذه الأشياء التى نعقلها كل شىء هو معقول بالفعل، لأن عقلنا إنما يعقل المحسوسات وهى معقولة بالقوة. وإنما تصير هذه معقولة بالفعل لأن فعل العقل إنما هو أن يفرد صور المحسوسات بالفعل بقوته التى تخصه، ويخلصها من الأشياء التى معها تكون محسوسة حتى ترى الصور على حيالها المحسوسات. فهذا هو فعل العقل الذى هو بالقوة أول. فإن كان المتكون المسوق من القوة إلى الفعل، فينبغى أن يكون كونه عن شىء هو موجود بالفعل. فقد يجب أن يكوم منهما عقل فعال موجود بالفعل، يصير العقل الذى بالقوة قويا على أن يعقل وذلك أن يعقل — وهذا العقل هو المستفاد من خارج.
فهذه هى الأشياء التى حركت أرسطو إلى أن يدخل العقل المستفاد. فواجب أن يكون هاهنا شىء ما معقولا بالفعل، وهو فى طبعه هكذا، كما أن هاهنا شيئا محسوسا ليس إنما صار محسوسا عن الحس، أعنى أن هاهنا عقلا وهو طبيعة ما، وجوهرا لا يعرف بشىء سوى العقل، لأنه ليس بمحسوس، ولا الأشياء التى يعقل، وكلها إنما تصير معقولة عن عقلنا، كأنه ليس فيها شىء بطبعه معقولا، بل هاهنا شىء ما معقول بذاته لأنه بطبعه هكذا.
مخ ۳۷