ولقد كنت إذا ما قيل من
أنعم العالم عيشا؟ قيل ذا
ثم حلق لحيته، وغير حليته، ودار في الأزقة؛ ليعثر على من فعل معه هذه الدقة، وأما الشاب المتعفف، الذي كانت ثروته على يد اللص المنصف، فإنه كان يترك العجوز كأنها من نومها في رمس، فلا تنتبه إلا إذا أحرقتها حرارة الشمس، فلما كان في فجر تلك الليلة السعيدة، استشعر بيد رخصة تباشر جسده بالدلك، فتوهم أنه في منام، ثم فتح عينيه فزال عنه الشك، وقال لها: من أين أقبلت يا قرة العين؟ وهل أنت إنسية أم من الأرواح الجنية؟ فقالت له وهي باسمة، وقد وثبت على قدميها قائمة: طب نفسا، فإني ازددت بك أنسا، وإني هدية من الله إليك، قد أنعم بي عليك، وأنا من خيار الإنس بلا محال، ولا أدري من ساقني إليك في هذه المحال، حتى أقوم له بالشكر وأدعو له بطول العمر؛ لأني وإن كنت على فراش من حرير، وحولي من الجواري جم غفير، إلا أني كنت في حبائل شيخ يدعي أنه ابن سبعين، وعهدي به أنه تجاوز التسعين، ثم التفتت ذات اليسار، وقالت له: أبشر بالغنى واليسار، فهذه الصناديق الخمسة من مال ذلك المهين، وإنها هي شطر ماله باليقين، ولقد نظر الله إليك بعين الرضا، وأنقذك من غائلة الفاقة بالقدر والقضا، فإن كان لك هذا السور، فشيد لنا من داخله أبهج القصور، واغرس حوله ما تشاء من الزهور، ولا تخف صولة الفقر، فقد تيسر لك الأمر.
فلما سمع منها مقالها، وفهم سؤالها، بادر إلى البناء والنجار فشيدا له القصر، في مدة لا تزيد عن شهر، واشترى ما احتاج إليه من الأثاث، ما يكفي للخدمة من الذكور والإناث، وعقد عقد النكاح، على شمس الصباح، وبنى بها في ليلة جمعة، بقاعة أوقد بها ألف شمعة، ثم شمر عن ساعد الاجتهاد، في التجارة ففاز منها بما أراد، وكان رئيس التجار في ذاك الوقت، قد رمي من المرض بسهام السقام والمقت، وارتحل من دار الفناء، إلى دار البقاء والهناء، فقلدوا الشاب المذكور بهذه الرياسة، لما عهد فيه من حسن السياسة، وكان الشيخ قد عرف بالتجسس الشديد، والتفحص الأكيد، أن زوجته وماله عند هذا الغريم لا محالة، فاستعدى عليه الحاكم، وقال له: أجرني من هذا الظالم. فلما بعث إليه الأعوان، وجاءوا به إلى الديوان، وهم بسؤاله، وطرحه في مهاوي أهواله، وثب اللص وثبة الأسد الكاسر، وقال أنا غريم هذا الخاسر، فخلوا سبيل الشاب، وخذوا مني الجواب، وقص على الحاكم القصة، وأزال عن التاجر الغصة، وسأل الشيخ عن الشيخة، فأنكر وجحد، وقال: ما لي بها علم وحق الواحد الأحد، فكذبوه وهجموا عليه في داره، بلا إذن منه ولا تراض، فألفوا رمة العجوز في المرحاض، فأحاطوا به وقبضوا على أطواقه، ولم يتأخروا عن شد وثاقه، وقادوه حقيرا ذليلا إلى ولي الأمر، بعدما ضبطوا أمتعته بالغلبة والقهر، واعترف في حضرة القاضي بالقتل، فاستحق القصاص، وحكم عليه بالموت الذي ليس عنه مناص، واستتاب الحاكم اللص المنصف، بعد أن ربط له على الخزينة ما يقوم بكفاية المتعفف، وأنعم عليه بمنزل المقتول، وكانت هذه الحادثة الغريبة سببا في بلوغ المأمول.
بذا قضت الأيام ما بين أهلها
مصائب قوم عند قوم فوائد
المقالة السابعة
الوفاء مليح، والعذر قبيح
اتفق لرجل مكين، من مدينة بكين، أنه ساح في الأمصار وطاف بمدينة الأنصار، فصادف في الروضة النبوية، رجلا من فقراء البرية، تلوح عليه سيمة الأتقياء، مع أنه من الفجرة الأشقياء، الذين لا يحفظون لأحد ذمة، ولا يرعون له حرمة.
شخص خبيث لو طلبت اسمه
ناپیژندل شوی مخ