سأشكر عمري ما تراخت منيتي
أيادي لم تمنن وإن هي حلت
رأى خلتي من حيث يخفى مكانها
فكانت بمرأى منه حتى تجلت
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه
ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت
وكان النهار قد انقضى، والليل قد أقبل بالمسرات والرضا، فقام الملك والخليع، والوزير الكامل ابن المطيع، وركبوا عند خروجهم من الديوان عربة، فسارت بهم حتى انتهوا إلى قصر العقبة، ونزلوا في هذا القصر، بمنظرة مشرفة على نهر، وبعد أن لبثوا بها هنيهة يسيرة، ولحيظة من الزمن قصيرة، دعاهم الشريف ابن مطرب، أمام الحضرة الملوكية إلى صلاة المغرب، فاصطفوا وراءه، وكان حسن القراءة، فصلى بهم المكتوبة، في الساعة المطلوبة، ثم انتقلوا بعد الفراغ من الصلاة المذكورة، إلى قاعدة المائدة المشكورة، فأكلوا حتى اكتفوا من الطعام، وكان آخرهم قياما الإمام، وبعد أن شربوا القهوة، صعدوا في بستان القصر على ربوة، فصلوا صلاة العشاء الأخيرة، وركب كل من الوزير والإمام عربة صغيرة، وتوجه إلى داره، بعد ما فاز من الملك بيساره، ولما خلا المكان لابن الصريع، من ابن مطرب وابن المطيع، سأل الملك عما وقع له بعد الانصراف من أم القرى، وكيف كان وصوله إلى هذه المدينة عالية الذرى؟ فقال له: اعلم أني ركبت البحر، فانكسرت السفينة على صخر، وتعلقت بلوح فأوصلني إلى البر، بلا سوء ولا شر، وحملني رجال البريد كما حملوك على جواد، وساروا بي إلى المدينة باجتهاد، فلما دنوا بي من الأسوار، وكانت الشمس في رابعة النهار، ألبسوني بعد السلام من الهلك، في يوم الخميس تاج الملك، وعقدوا لي في أحسن طوالع السعود، موكبا عظيما أكثروا فيه من العساكر والبنود، ومشوا بي والمظلة على راسي، والدهر لي في جميع أحوالي مواسي، حتى أجلسوني على التخت، ولا جرم أن هذا من سعادة البخت، وسألت فيما بعد عن الحامل لهم على ذلك، ولماذا لم يقتدوا بغيرهم من الممالك؟ وما هو هذا السبب الذي بلغت به الأرب، فأخبرني جم غفير، من ضمنهم الوزير، أن العادة الجارية من قديم، في هذا البلد العظيم، أن الرعية متى مات ملكها القائم، ولت عليها من الأجانب أول قادم، وخلعت عليه الخلعة الملوكية، وأذعنت له بالعبودية، وأقول لك يا خليع هذا مصداق قول الملك العلام، في القرآن الحكيم
وتلك الأيام .
لما أتتني دولتي
والدهر سالم وابتسم
ناپیژندل شوی مخ