طليعته اغتمام واغتراب
أغار عليه من جهتي كمين
يسوس أمور عسكره كتاب
وبت أنص من شيم الليالي
عجائب من حقائقها ارتياب
بها أجلو همومي عن فؤادي
كما يجلو همومهم الشراب
ثم ترك المرج وراء ظهره، وتوكل على مولاه في سره وجهره، وسار ولكن غير بعيد، فصادفه على خيل البريد، رجال بيض الألوان، سود الشعور والأجفان، عليهم ملابس حسان، وفي يد كل واحد منهم سنان، ولما وقعت أعينهم عليه، مالوا بكليتهم إليه، وبشوا في وجهه وحيوه بتحية الإسلام، وقابلوه بما يستحق الغريب من الإكرام، وحملوه على دابة عظيمة، من الجياد التي في سيرها مستقيمة، وتمادوا به على الحركة، بين الرياض باليمن والبركة، حتى أدخلوه من باب يعرف عندهم بالمأنوس، ومثلوه بين يدي ملكهم المضاهي في لونه للآبنوس، فبعد أن تأمله مليا، وعرفه جليا، تكلم معه برقة ولطافة، وبعث به إلى دار الضيافة، وكان ابن الصريع قد تحقق أنه صاحب الوقفة بالحرم، فأيقن أنه زلت منه القدم، وأوجس في نفسه خيفة، وخشي منه جوره وحيفه، وتوهم أنه ربما أمر بقتله، قبل وصوله إلى أهله، وأن نجاته من البحر ما أغنت عنه شيئا في البر، هنالك نثر من عينيه العبرات، وتمنى أنه لو هلك في السفينة أو في الفلوات، ولا كان قد وقع في قبضة هذا الأسود، الذي يحتمل أن نار الإساءة في قلبه لم تزل تتوقد، بيد أنه لما دعي إلى المقابلة، بعد عشرة أيام كاملة، قبل في الحال بين يديه الأرض، وأتى بالسنة فأجيب بالفرض، ثم قال له الملك بابتسام: مرحبا يا ابن الكرام، فقال الخليع وقد كساه الحياء ثوب الخجل، وزال ما كان اعتراه من الخوف والوجل:
سجاياك إن عافيت أندى وأسمح
وعذرك إن عاقبت أجلى وأوضح
ناپیژندل شوی مخ