الديك المستأسد .....!!
10-10-2003
------------------
قديما في التاريخ العربي برز إسم شاعر مفلق ألهب المشاعر وأفاض العبرات وسمي ديك الجن لكننا هنا لانقصد الشعر ولا الشعراء المتيمين بل تعرض حكاية ديك حقيقي ومن فئة الدجاج بالطبع وقبل ذلك نسلط الضوء على مسرح الأحداث أو المكان الذي تواجدبه الديك ، أو بطل حكايتنا .
قضيت الجزأ الأكبر من طفولتي بمركز شدا ، وشدا ناحية من مديرية رازح التابعة لمحافظة صعدة ، شدا أقصاها وأشدها وعورة ومركزها يقع في قمة الجبل التي تنتصب شامخة في الفضاء ويشاهد منها كل الجبل بأوديته وقراه المتناثرة ، الصعود للمركز صعب وشاق حتى أن طريق الدواب غير سلك تماما ويجب تخلصيها من جزء كبير من أحمالها حتى تستطع مواصلة المشوار ، أما البشر الغير متعود للتسلق أو غير متوائم مع هذه البيئة فقد لايعود لها ثانية البتة ، أقرب سوق يبعد عن المركز أربع ساعات من من المشي المرهق وهو سوق أسبوعي ريقي تقليدي ، والتموينات الضرورية يجب جلبها من ذلك السوق فلا يوجد دكاكين بالجبل حتى وإن وجدت فمحتوياتها تتركز على الضروريات كملح الطعام والزنجبيل والفلفل الأسود ، المركز يحتوي على سكن لثلاث عوائل بمقاييس ذلك الزمن أي كل عشرة أفراد بغرفة واحدة ، وبه مسجد ومخازن غلال ثم ثلاث برك (خزانات ماء) لتجميع مياه الأمطار إحداها تخصص لمسجد المركز لغرض التطهر ، وقد تستنزف المياه وتجف البرك وتصبح عملية جلب المياه غاية في الصعوبة وتحتاج لساعات طوال صعودا وهبوطا ، لم يكن هناك مؤنس سوى كتب والدي ومكتبته العامرة ... أو المذياع (الراديو) ولعلو موقع المركز الشاهق وبروزه فقد كان هدفا للصواعق التي ما فتئت تهاجمه وتمطره بكرم حاتمي كل ما لاح في الأفق سحابة أو أمطرت السماء ، وعوضا عن الاستبشار بالغيث المدرار الذي نحن بحاجة ماسة لكل قطرة منه وننتظر هطوله بكل لهفة ، كان لزاما علينا أن نعد العدة ونبحث عن ملاجئ تؤوينا خوفا من الصواعق ، وكنا نعيش بين الابتسامة والعبوس والخوف الرجاء ، وأكتشفنا لاحقا أن جهاز الراديو البدائي بأسلاكه المنشورة على سطح المركز كان عامل جذب لتلك الصواعق ، وقد عبثت الصواعق بكثير من محتويات منزلنا ودمرت الكثير من أجهزة الراديو والتي كان أبي يقتنيها حتى لا ينقطع إرتباطه بالعالم وأخباره وكانت تسليته بعد قراءة الكتب والمراجع .
مخ ۳۱