PARATEXT|
وله أيضا عليه السلام:
مخ ۱۹۸
كتاب المنزلة بين المنزلتين
بسم الله الرحمن الرحيم
مخ ۱۹۹
شهادة جميع الأمة لنا بحقية ما نحن عليه
قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
إن سأل سائل فقال: من أين زعمتم أن الحق في أيديكم دون غيركم، وجميع من خالفكم يدعي مثل ما ادعيتم؟
قلنا له: إن أقرب الأشياء عندنا الذي قد علمنا به أنا على الحق، ومن خالفنا على الباطل، أن جميع فرق الأمة بجملة قولنا مصدقون، ونحن لهم فيما أنفردت به كل طائفة منهم مكذبون، وهم في ما ندين الله به من أصول التوحيد والعدل، وإثبات الوعد والوعيد، والقول بالمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر مصدقون.
مخ ۲۰۰
أصناف المسلمين
وجميع أهل الصلاة عندنا خمسة أصناف: الشيعة، والمرجئة، والخوارج، والمعتزلة، والعامة، فقد شهدت لنا هذه الفرق كلها في أصل شهادتها بما نقول، ثم نقض ذلك بعضهم، فأقمنا على أصل ما شهدوا لنا به، ولم ننقض ذلك كما نقضه بعضهم.
مخ ۲۰۱
شهادتهم لنا في التوحيد
وذلك أنهم شهدوا أن الله واحد ليس كمثله شيء، ثم نقضت ذلك المشبهة بقول من قال منهم: إنه على صورة آدم، وبقول من قال: إنه جسم محدود، وبأقاويل لهم كثيرة كلها نقضت قولهم: واحد ليس كمثله شيء، لوصفهم له بالأجزاء، والأعضاء، والحدود، والزوال، والانتقال، تعالى الله عما قالوا علوا كبيرا، فعلمنا أن الذي ليس كمثله شيء لا يكون على صورة شيء، ولا يكون جسما محدودا؛ لأن ما كان كذلك كان أجزاء كثيرة، بعضها غير بعض، ولم يكن واحدا؛ لأن الواحد في الحقيقة لا يكون له أشباه، ولا يكون له ثان. فلما شهدوا لنا أنه واحد ليس كمثله شيء، أخذنا بذلك وتركنا اختلافهم، إذ نقضوا به شهادتهم، فهذا ديننا، وشهادتنا، وحجتنا على كل من خالفنا في التوحيد.
مخ ۲۰۲
شهادتهم لنا في العدل
وأما شهادتهم لنا في العدل فإنهم شهدوا أن الله تبارك وتعالى عدل لا يظلم ولا يجور، وأنه خير للخلق من الخلق لأنفسهم، وهو أرحم الراحمين. ثم نقضت ذلك المجبرة بقول من قال منهم إنه كلف العباد ما لا يطيقون، وإنه أخرجهم من الطاعة، وإنه عذبهم على ما خلقه فيهم، وبقول من قال منهم إن الله يريد أن يعصى ثم يغضب مما أراد، وبقول من قال منهم إنه يعذب الطفل الصغير بجرم الشيخ الكبير، وبأقاويل كثيرة كلها تنقض قولهم إنه عدل لا يجور، تعالى الله عما قالوا. فعلمنا أن العدل الرحيم لا يفعل ذلك، إذ كان ذلك ممن فعله جورا، وظلما، وعبثا، تعالى الله عن ذلك، فأخذنا بما شهدوا لنا به في أصل شهادتهم أنه لا يظلم، ولا يجور، ولا يعبث، وأنه حكيم حيم، عدل كريم، وتركنا ما نقضوا به جملتهم عند اختلافهم، فهذا ديننا، وحجتنا على من خالفنا في العدل.
مخ ۲۰۳
شهادتهم لنا في الوعد والوعيد
وأما شهادتهم لنا في الوعد والوعيد، فإنهم شهدوا جميعا أن الله تبارك وتعالى صادق في جميع أخباره، وأنه لا يخلف الميعاد، ولا يبدل القول لديه، صادق الوعد والوعيد في أخباره، ثم نقض ذلك المرجئة بقول من زعم أن الله جائز أن يغفر لمن قد أخبر أنه يعذبه، وخالف ذلك منهم من زعم أن الله يقول من زنى عذبته بالنار يوم القيامة، فيأتي الخبر من الله ظاهرا مطلقا ليس معه استثناء، ثم لا يعذب أحدا من الزناة يوم القيامة، ولا تمسهم النار؛ لأنهم زعموا أنه استثنى ذلك عند الملائكة، فقال إني أعذبهم إن شئت، وإلا فإني أغفر لهم، أو يقول إلا أن أتفضل عليهم بالعفو، وإنما عنى أني أعذبهم إلا أن يغتسلوا من جنابة الزنى، فإن اغتسلوا من جنابة الزنا وفعلوا شيئا من الخير غفرت لهم. فلما جوزوا ذلك في أخبار الله نقضوا معنى ما حكم الله به في وعده ووعيده، وادعى بعضهم الخصوص في الأخبار، فزعموا أن كل خبر جاء من الله عاما في الظاهر، فقد يجوز أن يكون خاصا، كقول الله عز وجل: { وإن جهنم لمحيطة بالكافرين } [التوبة: 49]، فزعموا أنه يجوز أن يكون عنى بعض الكافرين دون بعض، وكذلك قوله: { إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم } [النور: 23]، وأنه يجوز عندهم أن يكون في بعض القاذفين دون بعض، إلا أنهم يعلمون أن الكفار كلهم يعذبون بإجماع الناس على ذلك.
وأما أصحاب الكبائر فيجوز عندهم أن لا يعذب أحد منهم، ولا تمسه النار، وزعم بعضهم أنه ليس في أهل الصلاة وعيد، وإنما الوعيد في الكفار خاصة دون غيرهم. وكل هؤلاء وغيرهم من أصناف المرجئة ناقضون لمعنى ما أخبر الله به في كتابه، وحكم به من وعده ووعيده.
مخ ۲۰۴
فلما شهدت لنا الفرق كلها أن الله صادق الوعد والوعيد، لا خلف لوعده، ولا تبديل لقوله، أخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك، فلم ننقض معاني الأخبار كما فعلت المرجئة، وعلمنا أن الله تبارك وتعالى إذا أخبر بشيء كان كما قال، ولا تبديل لذلك، ولا نقض ولا تكذيب ولا نكث ولا تنسخ أخباره أبدا بشيء، ولا يظهر لنا خبرا، ثم يفعل خلافه، ولا يظهر لنا عموم الأخبار في وعده ووعيده ثم يجعلها خاصة من حيث لا نعلم؛ لأن ذلك كله غير جائز على الله، تعالى عما قالت المجبرة والمرجئة علوا كبيرا، فهذا ديننا، وحجتنا على من خالفنا في الوعيد.
مخ ۲۰۵
شهادتهم لنا في المنزلة بين المنزلتين
وأما شهادتهم لنا في المنزلة بين المنزلتين، وقولنا إن أهل الكبائر من أهل الصلاة فساق فجار أعداء الله ظلمة معتدون، فإنهم شهدوا لنا بذلك فشهدنا بما شهدوا، ثم ادعى بعض الخوارج أنهم كفار، وأن فسقهم قد بلغ بهم الكفر والنفاق دون الشرك، ويقال إن الزيدية، أو بعضهم، يزعمون أن فسقهم قد بلغ بهم الكفر، وادعت المرجئة أنهم مع فسقهم مؤمنون، وخالفهم في ذلك عامة الأصناف.
وقالت المعتزلة هم فساق وفجار، لا يبلغ بهم فسقهم كفرا ولا شركا ولا نفاقا، وكذلك قالت المرجئة والعامة، وقالت المعتزلة أيضا لا يجب لهم اسم الإيمان مع الفسوق، وكذلك قالت الخوارج والشيعة الزيدية، فوجدناهم كلهم قد أجمعوا على شهادة واحدة أنهم فساق فجار معتدون، فأخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك، وتركنا ما اختلفوا فيه مما كذب فيه بعضهم بعضا فسميناهم فساقا فجارا، وبرأناهم من الكفر والشرك والنفاق، إذ كانوا فيه مختلفين، ولم نوجب لهم اسم الإيمان إذ كانوا عليه عند إصابتهم الكبائر غير مجتمعين، ولم يكن في شيء من اختلافهم حجة من حجج رب العالمين، فهذا ديننا وحجتنا على من خالفنا في المنزلة بين المنزلتين.
مخ ۲۰۶
شهادتهم لنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وأما شهادتهم لنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنهم شهدوا أن ذلك واجب إذا أمكن وقدر عليه، وشهدوا أن نصرة المظلوم فرض، والأخذ على يد الظالم فرض إذا أمكن ذلك، ثم اختلفوا بعد ذلك. فقال منهم قائلون: لا ندفع الظالم عن أنفسنا، ولا عن غيرنا إلا بالقول والكلام، وإن انتهبت أموالنا، وانتهكت حرماتنا لم نقاتل بالسلاح، وإن كان في ذلك دفع الظلم عنا وعن المسلمين، لكنا نترك الظالمين والباغين يبلغون منتهى حاجتهم منا ومن حرماتنا وأموالنا، ثم يمضون سالمين. وقال آخرون نقاتل وندفع عن أنفسنا وحرماتنا وأموالنا بالسلاح وغيره، فإن قتلنا رجونا أن نكون شهداء، وإن قتلناهم رجونا أن نكون سعداء. فلما شهدوا أن نصرة المظلوم ودفع الظالم والأخذ على يد الظالم فريضة لازمة لمن قدر عليها، علمنا أنه لا يخرجنا من هذه الفريضة إلا أداؤها، والقيام بها بالسلاح وغيره إذا أمكننا ذلك، فأخذنا بما أجمعوا عليه لنا في أصل شهادتهم، ولم نترك ذلك كما تركه الآخرون وهم على دفعه قادرون. فهذا ديننا وحجتنا على من خالفنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الظالم.
فمن أقام على هذه الأصول كما أقمنا، ودان بها كما دنا، وعمل بما استحق الله عليه فيها فهو منا وأخونا وولينا، ندعوه إلى ما أجابنا، ونجيبه إلى ما دعانا. ومن خالفنا وفارقنا عليها حاججناه بالمحكم من كتاب الله، ورددناه إلى المجمع عليه من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن قبل ذلك كان له مالنا، وعليه ما علينا، وإن أبى إلا المخالفة للحق، والمعاندة للصواب كان الله حسيبه، وولي أمره، والحاكم بيننا وبينه، وهو خير الحاكمين، وقد ذكرنا من كتاب الله عز وجل تحقيق ما قلنا وتصديق ما وصفنا.
مخ ۲۰۷
باب ذكر التوحيد
إن الله تبارك وتعالى ذكر التوحيد في كتابه فقال: { قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } [الإخلاص.]، فأخبر سبحانه أنه الواحد الأحد الذي ليس بوالد ولا ولد، وأنه ليس له كفؤ ولا شبيه في وجه من الوجوه، وقال: { هل تعلم له سميا{ ، يقول: كفوا أو نظيرا، وقال: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 11]، وقال: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير } [الأنعام: 103] ولم يقل في الدنيا دون الآخرة، فنفى عن نفسه درك الأبصار في كل وقت من أوقات الدنيا والآخرة، كما نفى عن نفسه السنة والنوم في الدنيا والآخرة، فقال: { لا تأخذه سنة ولا نوم } [البقرة: 255]، كما نفى عن نفسه الظلم في الدنيا والآخرة فقال: { إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون } [يونس: 44]، وكما نفى عن نفسه أن يكون له شبيه في الدنيا والآخرة على كل وجه من الوجوه بقوله: { ليس كمثله شيء } [الشورى: 11]، وقال: { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم } [الزخرف:84]، فنفى عن نفسه أن يكون في مكان دون مكان؛ لأن من كان في مكان دون مكان فمحدود، والله غير محدود، ولا يحيط به شيء، وهو بكل شيء محيط، وقال:{ ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم } [المجادلة: 7] الآية، فبهذه الآيات ونحوها أحتججنا على من خالفنا ومن شبه الخالق بالمخلوق، وعلمنا أن الله لا يشبهه شيء في وجه من الوجوه.
مخ ۲۰۸
باب في خلق القرآن
وذكر الله القرآن فقال: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر: 9]، فأخبر أنه منزل محفوظ، كما قال: { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } [الحديد: 25]، وكقوله: { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } [الزمر: 6]، وقال: { ونزلنا من السماء ماء مباركا } [ق: 9] ولم يقل خلقنا الحديد والماء والأنعام، وكل ذلك مخلوق، وقوله : { خالق كل شيء } [الرعد: 16]، وقوله: { خلق السماوات والأرض وما بينهما } [الروم: 8]، وكذلك القرآن؛ لأنه شيء وهو بين السماوات والأرض، وليس القرآن من أعمال العباد التي أضافها الله إليهم في كتابه، ولا من صنعهم الذي نسبه الله إليهم، فالقرآن داخل في هذه الآيات دون عمل العباد كالأنعام والحديد.
وقال: { ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا } [الشورى:52]، وقال: { الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور } [الأنعام: 1]، فأخبر أنه نور والنور مخلوق.
وقال:{ إنا جعلناه قرآنا عربيا } [الزخرف: 3]، وقال: { خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها } [النساء: 1]، وكذلك خلق القرآن، إذ جعله قرآنا عربيا كما جعل الشمس ضياء والقمر نورا، بأن خلقهما كذلك.
وقال: { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون } [الأنبياء: 2]، وقال: { أو يحدث لهم ذكرا } [طه: 113]، فأخبر أنه محدث، وأنه ليس بقديم، وإذا كان محدثا فالله أحدثه، وهو مخلوق والله خلقه.
مخ ۲۰۹
وقال: { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله } [التوبة: 6]، وقال: { يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون } [البقرة: 75] وقال: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } [الشورى: 52]، وقال: { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } [النساء: 171]، وقال: { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين } [الحجر: 29]، وقال: { ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا } [التحريم:12]، فأخبر أن القرآن كلامه، وروح من أمره، وأن عيسى كلمته وروح منه، وأنه نفخ في آدم من روحه، وكذلك في مريم، ثم أجمل ذلك كله فقال: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك } [آل عمران: 59-60]، فأخبر أن معنى الكلمة والروح خلق من خلقه، وتدبير من أمره، وكذلك القرآن سماه كلامه وروحا من أمره، ومعنى ذلك أنه خلق من خلقه، وتدبير من تدبيره وأمره. وقال: { وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل } [النحل: 101]، وقال: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } [البقرة: 106]، فبهذه الآيات ونحوها خالفنا من زعم أن القرآن ليس بمخلوق، وعلمنا أنه مخلوق محدث وأن الله خالقه.
مخ ۲۱۰
باب ذكر عدل الله في كتابه
قال الله عز وجل:{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون } [النحل: 90]، وقال: { وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون } [الأنعام: 152]، وقال: { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } [المائدة: 8]، وقال: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط } [الأعراف: 29]، وقال:{ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } [الأعراف: 33]، وقال: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم } [البقرة: 268]، فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن العدل والإحسان من الله تبارك وتعالى، وأن الظلم والعدوان من عمل الشيطان وفعل الإنسان، والله من ذلك بري، تبارك وتعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.
مخ ۲۱۱
باب ذكر قضاء الله في كتابه
قال الله تبارك وتعالى:{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } [الإسراء: 23]، فأخبر سبحانه أنه قضى بعبادته، وبر الوالدين. وقال: { والله يقضي بالحق } [غافر: 20]، وقال: { يقص الحق وهو خير الفاصلين } [الأنعام: 57]، ولم يقل إنه يقضي بالباطل، وقال: { والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء } [غافر: 20]، وقال: { إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } [يونس: 93]، وقال: { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } [آل عمران: 71]، وقال: { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون } [الأنبياء: 18]، وقال: { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا } [الإسراء: 81]، فأخبر أن الحق من عنده ومن قضائه، وأن الباطل من المبطلين، ولا يكون الباطل من عند أصدق الصادقين. فبهذه الآيات ونحوها علمنا أنه لا يقضي بالباطل إلا المبطلون، ولا بالجور إلا الجائرون، تعالى الله عن ذلك رب العالمين.
مخ ۲۱۲
باب ذكر قدر الله في كتابه
قال الله عز وجل: { والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } [يس: 38]، وقال: { نحن قدرنا بينكم الموت } [الواقعة: 60]، وقال: { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه } [الفجر: 16]، وقال: { وكان أمر الله قدرا مقدورا } [الأحزاب: 38]، وإنما أمر بالطاعة، ولم يأمر بالمعصية وأمره بها قضاؤه وقدره، والطاعة منسوبة إلى قضائه وقدره؛ لأنه أمر بها، والمعصية منسوبة إلى العصاة؛ لأنهم ارتكبوها بعد ما نهاهم عنها.
وإنما ذكر الله القدر في خلقه وصنعه وتدبيره وأمره ومصالح عباده في دينهم ودنياهم، ولم يجعله في شتمه والفري عليه، ولا في قتل أنبيائه وتكذيب رسله، ولا في شيء مما غضب منه وعابه، وعاب أهله وعذبهم عليه.
فبهذه الآيات ونحوها علمنا أنه لا يسخط شيئا من تقديره، ولا يقدر شيئا ثم يغضب منه ويعيبه ويعيب من فعله؛ لأن الحكيم لا يغضب من تقديره، ولا يعيب شيئا من تدبيره، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.
مخ ۲۱۳
باب ذكر الإرادة
ثم ذكر سبحانه الإرادة في كتابه فقال: { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم } [النساء: 26]، وقال: { والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا } [النساء: 27 - 28]، وقال: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [البقرة: 185]، وقال: { وما الله يريد ظلما للعباد } [غافر: 31]، وقال: { يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره } [التوية: 32]، وقال: { ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } [النساء: 60]، وقال: { ويريدون أن تضلوا السبيل } [النساء: 44]، فأخبر تبارك وتعالى أن إرادته الصلاح والرشد واليسر وأنها ليست في الظلم والغشم والكذب والفساد ، فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله إذا أمر بشيء فقد أراده إرادة أمر، لا إرادة جبر، وإذا نهى عن شيء لم يرده، ولم يغلب على كونه، والله لا يأمر بما لا يريد، ولا ينهى عما يريد، والله غالب غير مغلوب وأنه أحكم الحاكمين.
مخ ۲۱۴
باب ذكر المشيئة
وذكر الله المشيئة في كتابه فقال: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون } [الأنعام: 148]، وقال أيضا: { لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء } [النحل: 35]، { وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون{ ، فلما أضاف المشركون شركهم، وكفرهم، وعبادتهم لأصنامهم إلى مشيتة وأمره رد الله في ذلك عليهم، وأخبر أنه ليس كما قالوا، وأنهم يتبعون الظن ويكذبون على الله وعلى مشيئته وأمره، كما قال: { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } [الأعراف: 28]، فبين أنه لا يشاء الشرك ولا يأمر به، وأمره ومشيئته في الطاعة واحدة. فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله لا يشاء الشرك، ولا يأمر به، ولا يريده، وليس بمغلوب على شيء إلا غالب غير مغلوب، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
مخ ۲۱۵
باب ذكر المحبة
وذكر الله المحبة في كتابه فقال: { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد } [البقرة: 204 - 205]، وقال: { إن الله لا يحب المفسدين } [القصص: 77]، وقال: { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } [البقرة: 190]، والمعاصي كلها قليلها وكثيرها فساد، وقد أخبر الله أنه لا يحب الفساد. فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله لا يحب المعاصي ، ولا يحب أن يعصى، تعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.
مخ ۲۱۶
باب ذكر الرضى
وذكر الله الرضى في كتابه فقال: { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } [الزمر: 7]، وقال: { وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول } [النساء: 108]، وقال: { اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } [محمد: 28]، وقال: { إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون } [غافر: 10]، وقال: { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون } [الصف: 2]، وقال: { كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها } [الإسراء: 38] فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله لا يرضى المعاصي، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
مخ ۲۱۷