عندئذ أدرك ويل الأمر، أدرك أن هؤلاء ليسوا جيرانه، وأنهم لا يقودونه إلى أي مكان يريد أن يصل إليه، وكما ركض خلفهم من قبل ليلحق بهم، ها هو الآن يركض ولكن في الطريق المعاكس. ولما كانت هذه الليلة ليلة عادية وليست كعشية عيد القديسين، فلم يكن في مقدورهم أن يتعقبوه. لكن كان خوفه مختلفا عن الخوف الذي شعر به في المرة السابقة، وتملكه نفس الشعور بالبرد؛ لأنه كان مؤمنا بأنهم أشباح بشر تحولوا بفعل السحر إلى جن. •••
يجانبني الصواب إن اعتقدت أن كل الناس كانوا يؤمنون بمثل هذه القصص، ولا شك أن لتناول البراندي دورا في ذلك، إلا أن أكثر الناس - سواء كانوا يؤمنون بها أم لا - كانوا يسمعون هذه المخلوقات ويشعرون بخوف شديد. ربما كانوا يشعرون ببعض الفضول وتساورهم بعض الشكوك، إلا أنهم في الغالب كانوا يشعرون بذعر واضح. لم يكن حينها يتم الجمع أبدا بين الجن والأشباح والدين تحت مسمى ما (ربما «القوى الروحية»)، كما جرت العادة في الوقت الحاضر. فالجن لم يكن مرحا وآسرا، وكان ينتمي إلى العصور السحيقة، وليس إلى الفترات التاريخية القديمة الخاصة بمعركة فلودن التي قتل فيها كل رجال سيلكيرك، اللهم إلا من كان يأتي بالأنباء، أو تلك الخاصة بالخارجين عن القانون الذين كانوا يغيرون ليلا عبر الأراضي المتنازع عليها بين إنجلترا واسكتلندا، أو عصر الملكة ماري - أو حتى ما قبل ذلك من عصور؛ عصر ويليام والاس، أو عصر أرتشيبالد دوجلاس، أو مارجريت سيدة النرويج - وإنها عصور الظلام بحق، ما قبل بناء سور أنطوني وما قبل وصول المبشرين المسيحيين الأوائل عبر البحر قادمين من أيرلندا. لقد كان ينتمي إلى عصور قوى الشر والفتن، ونياته كانت عادة خبيثة، بل ومدمرة. (1-2) توماس بوستون
أقام هذا الشاهد جمهور ممتن ومتدين كنوع من التقدير لصاحب الفضيلة القس توماس بوستون، الذي يكن الجميع لشخصيته احتراما جما، والذي استفاد من جهوده العامة الكثيرون، والذي ساهمت كتاباته كثيرا في ترسيخ الدين المسيحي وانتشاره.
اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق؛ فإني أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون.
إنجيل لوقا، الإصحاح الثالث عشر، الآية الرابعة والعشرون
ولا شك أن مشاهدات ويل لم تكن مقبولة على الإطلاق بالنسبة إلى الكنيسة، ولا سيما خلال الجزء الأول من القرن الثامن عشر، عندما كانت الكنيسة تحظى بنفوذ عظيم في أبرشية إتريك.
وكان قس الكنيسة في هذا الوقت الواعظ توماس بوستون، الذي يتذكره الناس - هذا إن تذكروه أصلا - بكتابه «الطبيعة البشرية في صورها الأربع»، والذي قيل إنه كان يوضع بجوار الكتاب المقدس في بيوت المتدينين في اسكتلندا. والمقصود بالمتدين في اسكتلندا هو ذلك الذي يتبع الكنيسة المشيخية التي كانت تفتش باستمرار في الحياة الخاصة للناس وتجدد إيمانهم على نحو معذب من أجل أن يهتموا بالتدين والورع. لم يجد هؤلاء راحة في الشعائر ولا المراسم الدينية. والصلاة لم تكن شكلية فحسب، بل شخصية كذلك ومعذبة. وكان استعداد أرواحهم للحياة الأبدية محل شك وخطر على الدوام.
واصل توماس بوستون هذا العذاب دون أن يلتمس أي هدنة لنفسه ولغيره من أبناء الأبرشية؛ إذ يتحدث في سيرته الذاتية عن معاناته المتكررة، وأوقات فتور إيمانه، وشعوره بالضآلة والكآبة حتى في أثناء الوعظ بالإنجيل أو في أثناء الصلاة في دراسته؛ إذ كان يتضرع طالبا الرحمة والفضل من الرب. وكان يعري صدره باتجاه السماء - وإن كان على نحو رمزي على أقل تقدير - في أوقات اليأس. وكان مستعدا دون أي تردد أن يجرح نفسه بسوط شائك إن كان هذا السلوك لن يجعله يتشبه بأفعال الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ولن يشكل خطيئة أكبر.
تارة يجيب الرب دعاءه وتارة لا يجيب. ولم يكن شوقه للرب يفارقه أبدا، ولم يكن أبدا يشعر بالشبع والرضا في هذا الشأن. وكان من الممكن أن ينهض من نومه مغمورا بالروح القدس، ويدخل في عمليات وعظ طويلة، ويرأس قداسات العشاء الرباني التي يرى نفسه فيها أنه وعاء الرب ويشهد تغير الكثير من الأرواح. غير أنه لم يكن مهتما بإرجاع الفضل لنفسه في هذه التحولات، ويعلم أنه قادر تماما على ارتكاب خطيئة التفاخر، ويعلم أيضا كيف يمكن أن يسحب الرب الرحمة منه فجأة.
كان يجتهد ويخطئ، ويعود للظلام واليأس مرة أخرى. •••
ناپیژندل شوی مخ