لقد تطورت الروح العلمية، وليس من الصعب إدراك سبب تطورها هذا: (1)
فالتقدم في الأساليب الفنية الصناعية يمدنا بأجهزة علمية أكمل وأقوى مما كان لدينا، نتمكن بواسطتها من الاهتداء إلى ظواهر كانت مجهولة، كما يزيد دقة الأقيسة من جهة أخرى. (2)
وتقدم الرياضة يأتي بدالات جديدة، وتعبيرات جديدة، يمكن استخدامها في حل مشكلات جديدة. (3)
وإن مجرد تكديس الملاحظات التي تقوم بها الأجيال المتعاقبة من الباحثين، ليأتي بوقائع جديدة تثير مشاكل لم تكن معروفة، وتخلق مزيدا من الصعوبات. (4)
والعلم يغير شكل العالم؛ فهو يعمل أولا على تعبير آفاقه بالنسبة إلى عقولنا، ثم إن الصناعة الحديثة، التي نشأت عن العلم، تتابع طريقها إلى السيطرة المادية على كوكبنا هذا، والكون الجديد يولد علما جديدا، وهكذا دواليك، وعلى ذلك فبين الوقائع وبين المعرفة العلمية سلسلة غير محدودة من الأفعال وردود الأفعال.
كل هذه الأسباب لا تؤدي إلى تغير العلم فحسب؛ بل إلى تغيير للروح العلمية ذاتها؛ إذ تظهر مناهج جديدة، تقتضي صورة جديدة للعقل، وصفات جديدة له.
وهكذا يمكن أن يروى تاريخ الروح العلمية، وإن كنا لا نزمع القيام بهذا العمل؛ بل سنكتفي بأن نعرض بإيجاز شديد للمراحل الكبرى التي يمكن أن نلمحها في ذلك التاريخ. (1) علم الطبيعة الميكانيكي
يبدأ هذا التاريخ من القرن السابع عشر. ففي السنوات الأولى من ذلك القرن نشأ علم الطبيعة بمعناه الصحيح من علم الفلك عند كبرنك وجاليليو. (1) وإذن يمكننا أن نميز مرحلة أولى تشمل القرن السابع عشر. هذه المرحلة تسيطر عليها النظرة الآلية المعروفة عند ديكارت وجاسندي.
20
وفيها كان ينظر إلى التركيب الداخلي للظواهر على أنه مكون من آلات صغيرة إلى أبعد حد، كالعتلة والملفاف والنورج الآلي والرافعة؛ أعني أقدم الآلات البشرية، التي بدأ أرشميدس (في القرن الثالث ق.م.) في وضع النظرية المبنية عليها، والتي أتمها ديكارت.
ناپیژندل شوی مخ