يبدأ العمل باتصال أولي مع الواقعة، وكل ما في الأمر أن الواقعة التي نبدأ منها قد سبق أن أعدها العقل إلى حد كبير، وليس في هذا ما يدعو إلى الدهشة، فالملاحظ أولا أن الإدراك الحسي ذاته يتضمن إعدادا عقليا، فعندما نتحدث مثلا عن «القمر» - وهو موضوع إدراك حسي شائع، يبدو مباشرا تماما - فإننا نستعين في الواقع بتجربة إنسانية ترجع إلى ألوف السنين، تبنى على التقريب بين ظواهر مختلفة، ونستطيع تقريب فكرة الإعداد العقلي هذه إلى الأذهان إذا فكرنا مثلا في تعبير مثل «القمر الجديد» الذي يفترض إيمانا بموت «القمر القديم» وظهور آخر أحدث منه. فالقول إن القديم هو ذاته الجديد، اكتساب حديث العهد.
12
وفضلا عن ذلك، فإذا كان العلم يكمل الإدراك الحسي بمعنى ما لأنه يفسره، فإن العلم ينكر الإدراك الحسي بمعنى آخر، وتلك هي حركة الرفض التي عبر عنها ديكارت بكلمة «الشك المنهجي»، فديكارت يرفض أولا عالم الإدراك الحسي، ثم يعود مرة أخرى إلى العالم، ولكنه ليس نفس الذي رفضه، فهو ليس عالم الإدراك الحسي؛ بل عالم الطبيعة الرياضية.
والسبب في ذلك غاية في اليسر، وهو في أيامنا هذه قد أصبح أوضح مما كان في أيام «ديكارت» ولقد سبق لنا أن ذكرنا عنه شيئا في معرض الحديث عن مبدأ النسبية؛ فالملاحظ الساذج لا يتصف بأية صفة تؤهله لملاحظة الواقع؛ فحواسه هي حواس حيوان أرضي، قد تكيفت، بعد تطور طويل جدا، بالحياة الأرضية، واتجهت نحو الفعل أكثر منها نحو المعرفة، وهذا ما أكده «برجسون» بعده حين قال: «إن الإدراك الحسي ينظم المكان بنفس النسبة التي ينظم بها الفعل الزمان.»
13
وهذا ما أثبتته في آن واحد بحوث التشريح المقارن، وعلم النفس التجريبي، وتحليل الإدراك الحسي، وتاريخ العلوم.
14
قياس الواقعة: في هذه الظروف كانت النتيجة الضرورية هي أن نيأس من المعرفة البشرية، وأن تصبح النسبية شكا، لو لم تكن عبقرية الإنسان قد تغلبت على الصعوبة بالتوسع في استخدام الأداة الرياضية، ولقد بين «فولتير» بكل وضوح في روايته الفلسفية «ميكروميجاس
Micromegas » كيف أن القياس الرياضي ذو قيمة موضوعية شاملة.
15
ناپیژندل شوی مخ