قال الحاكم: وليس تحضرني عبارة تحيط بقدر محله في العلم والفضل، فإنه الذي فتق علم الكلام ونثر برده، ووضع فيه الكتب الجليلة، التي بلغت المشرق والمغرب، وضمنها من دقيق الكلام وجليله، ما لم يتفق لأحد مثله، وطال عمره مواظبا على التدريس والإملاء، حتى طبق الأرض بكتبه، وأصحابه، وبعد صيته، وعظم قدره.
وإليه انتهت الرئاسة في المعتزلة، حتى صار شيخها، وعالما غير مدافع.
وصار الاعتماد على مسائله وكتبه، ونسخ كتب من تقدمه من المشايخ.
وشهرة حاله تغني عن الاطناب في الوصف.
واستدعاه الصاحب «1» إلى الري بعد سنة ستين وثلاثمائة، فبقى فيها مواظبا على التدريس. إلى أن توفي رحمه الله، سنة خمس عشرة أو ست عشرة، وأربعمائة.
وكان الصاحب يقول فيه: هو أفضل أهل الأرض، ومرة يقول هو أعلم أهل الأرض.
وأراد أن يقرأ فقه أبي حنيفة على أبي عبد الله، فقال له: هذا علم، كل مجتهد فيه مصيب، وأنا في الحنفية، فكن أنت في أصحاب الشافعي، فبلغ في الفقه مبلغا عظيما. وله اختيارات، لكن وفر أيامه على الكلام.
ويقول: للفقه أقوام يقومون به طلبا لأسباب الدنيا، وعلم الكلام لا غرض فيه ما سوى الله تعالى.
مخ ۹۴