قال ابن يزداد: «ولقد بلغ في العلم والعمل هو، وجعفر بن حرب، حتى كان يضرب بهما المثل، فكان يقال: «علم الجعفرين وزهدهما»، كما يضرب المثل في حسن السيرة بالعمرين. وروي أن جعفر بن بشر، أضرت به الحاجة، حتى كان يقبل القليل من زكاة اخوانه، فحضره يوما بعض التجار، فتكلم خضرته فى خطبة نكاح، فأعجب به ذلك التاجر، فسأل عنه، فأخبره بمسكنته، فبعث إليه بخمسمائة دينار، فردها، فقيل له: عذرناك فى رد مال السلطان للشبهة، وهذا تاجر ماله من كسبه، فلا وجه لردك. فقال جعفر:
«إنه استحسن كلامي .. أفتراني أن آخذ على دعائي إلى الله وموعظتي ثمنا؟ لو لم أكن فعلت هذا ثم ابتدائى لقبلت».
وروي أن بعض السلاطين وصله بعشرة آلاف درهم، فلم يقبل، وحمل إليه بعض أصحابه بدرهمين من الزكاة فقبل، قيل له فى ذلك فقال: «أرباب العشرة آلاف أحق بها مني، أنا أحق بهذين الدرهمين، لحاجتي إليهما، وقد ساقها الله الى من غير مسألة، وأغناني بهما عن الشبهة والحرام» ولقد قال الواثق لأحمد بن أبى داود: «لم لا تولي أصحابي القضاء، كما تولي غيرهم؟» فقال: «يا أمير المؤمنين! إن أصحابك يمتنعون من ذلك، وهذا جعفر بن مبشر، وجهت إليه بعشرة آلاف درهم، فأبى أن يقبلها، فذهبت إليه بنفسي، واستأذنت بأبى أن يأذن لى، فدخلت من غير إذن، فسل سيفه في وجهي وقال: الآن حل لي قتلك، فانصرفت عنه. فكيف أولي القضاء مثله؟!».
ومنها أبو عمران موسى بن الرقاشي: حكى الخياط عن البلخي وأبي زفر أنهما قالا: ما رأينا أحدا أعلم بالكلام منه، فقيل لأبي زفر : سبحان الله وقد رأيت أبا الهذيل. وأبا موسى. وصالحا الأسواري، وتقول هذا؟! فقال: «كان أبو عمران يجيب في المسألة الواحدة بسطر واحد، بجواب يفهمه العالم والجاهل، وكان يحرم المكاسب، ويزعم أن الدار دار كفر».
مخ ۶۵