وروى أنه كان في حداثته مشتغلا بالعلم، وأمه تمونه، فجاءته يوما بطبق عليه كراريس، فقال: «ما هذا؟» قالت: «هذا الذي تجبئ به»، فخرج مغتما، وجلس فى الجامع، وموسى بن عمران جالس، فلما رآه مغتما، قال له: «ما شأنك؟» فحدثه الحديث، فأدخله المنزل وقرب إليه الطعام، وأعطاه خمسين دينارا، فدخل السوق واشترى الدقيق وغيره، وحمله الحمالون الى داره، فأنكرت الأم ذلك، وقالت: «من أين لك هذا؟» قال: من الكراريس التي قدمتها الى، ثم اتصل بعد ذلك بابن الزيات، فأقطعه أربعمائة جريب فى الأعالى، قال الحاكم: وهي تعرف بالجاحظية الى الآن.
قال المبرد: «وسمعت الجاحظ يقول، احذر ممن تأمن، فأنك حذر ممن تخاف».
قال المبرد: قال الجاحظ يوما، أتعرف مثل قول اسماعيل بن القسم:
ولا خير في من لا يوطن نفسه على نائبات الدهر حين تنوب
قلت: «نعم ، قول كثير ومنه أخذ».
فقلت لها يا عز كل مصيبة ... إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
وكان مختصا بابن الزيات، منحرفا عن أحمد بن أبي داود «1»، فلما قتل ابن الزيات، حمل الجاحظ مقيدا من البصرة، وفي عنقه سلسلة، وعليه قميص سمل، فلما دخل على القاضي أحمد بن أبي دؤاد، قال القاضي له: «ما علمتك إلا متناسيا للنعمة، كفورا للصنيعة، معدنا للمساويء، وما فتنتني باستصلاحي لك، ولكن الأيام لا تصلح منك، لسفاد طويتك، ورداءة طبيعتك، وسوء اختيارك، وغالب ضغنك».
مخ ۵۹