وقوله - رحمه الله -: "إذ ليس كل تسبيح بمحمود"كلام في غاية الأهمية والدقة؛ إذ إن تسبيح الله بإنكار صفاته وجحدها وعدم إثباتها أمر لا يحمد عليه فاعله، بل يذم غاية الذم، ولا يكون بذلك من المسبحين بحمد الله، بل يكون من المعطلين المنكرين الجاحدين، من الذين نزه الله نفسه عن قولهم ووصفهم بقوله تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} . فسبح الله نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه في الله من النقص والعيب.
إن تسبيح الله وتنزيهه وتقديسه وتعظيمه يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعية، وعلى ضوء الأدلة النقلية، ولا يجوز بحال أن يبنى ذلك على الأهواء المجردة، أو الظنون الفاسدة، أو الأقيسة العقلية الكاسدة كما هو الشأن عند أرباب البدع المعطلين لصفات الرب - سبحانه -، ومن كان يعتمد في باب التعظيم على هواه بغير هدى من الله، فإنه يزل في هذا الباب ويقع في أنواع من الباطل وصنوف من الضلال. جاء عن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله وقد ذكر عنده أن الجهمية ينفون أحاديث الصفات، ويقولون: الله أعظم من أن يوصف بشيء من هذا أنه قال: "قد هلك قوم من وجه التعظيم فقالوا: الله أعظم من أن ينزل كتابا أو يرسل رسولا ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} ثم قال: هل هلكت المجوس إلا من جهة التعظيم؟ قالوا: الله أعظم من أن نعبده، ولكن نعبد من هو أقرب إليه منا، فعبدوا الشمس وسجدوا لها، فأنزل الله عز وجل: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} (1) .
مخ ۲۳۶