ولا ريب أن في هذا أعظم عبرة وأجل عظة للناس إذ تدبروا في حال هذه الجبال وهي الحجارة الصلبة والصخور الصماء كيف أنها تسبح بحمد ربها وتخشع له وتسجد وتشفق وتهبط من خشيته، وكيف أنها خافت من ربها وفاطرها وخالقها على شدتها وعظم خلقها من الأمانة إذ عرضها عليها وأشفقت من حملها.
قال ابن القيم - رحمه الله - وهو يتحدث عن هذا الباب العظيم: "فسبحان من اختص برحمته من شاء من الجبال والرجال ... هذا وإنها لتعلم أن لها موعدا ويوما تنسف فيها نسفا، وتصير كالعهن من هوله وعظمه، فهي مشفقة من هول ذلك الموعد، منتظرة له ... فهذا حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال ربها وعظمته، وقد أخبر عنها فاطرها وباريها أنه لو أنزل عليها كلامه لخشعت ولتصدعت من خشية الله. فيا عجبا من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال تسمع آيات الله تتلى عليها ويذكر الرب فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب ... ".
فنسأل الله جلت قدرته وتبارك اسمه أن يحيي قلوبنا بالإيمان، وأن يعمرها بذكر الكريم الرحمن، وأن يعيذنا من الرجيم الشيطان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المطلب الثالث: معنى التسبيح
لا ريب أن التسبيح يعد من الأصول المهمة والأسس المتينة التي ينبني عليها المعتقد فيما يتعلق بمعرفة الرب - تبارك وتعالى - وأسمائه وصفاته، إذ إن المعتقد في الأسماء والصفات يقوم على أصلين عظيمين وأساسين متينين هما الإثبات للصفات بلا تمثيل، وتنزيه الله عن مشابهة المخلوقات بلا تعطيل.
مخ ۲۳۳