وقد أخذ بعض الجماعة ترجمة الكمال فقال: إنه رتبها وزاد عليها، لكونه استحسن جميعها، وما رضي وضعها، وسماها: " تحفة الطالب والمنتهي، في ترجمة الإمام النووي "، ومن نفس التسمية يُعلم المقصود.
ولو فُرض على سبيل التنزل أن صاحب " التحفة " لم تكثر أوهامه، وكان ما زعمه " والعياذ بالله " صحيحًا، ما كان يجمل به هذا القول، بل اللائق الأدب مع أهل العلم والولايات، وإنزالهم منزلتهم في البدايات والنهايات، ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور، وكأني به أو بغيره من الناس، ممن لا اطلاع له بل ديدنه الاختلاس، " ألهمنا الله رشده، وأعاذنا من شرور أنفسنا " قد خذ ما وقع لي من الزوائد الفرائد، التي لا أعلم من سبقني إليها، من غير عزو، غافلًا عن قول القائل: شكر العلم عَزْوه لقائله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مَنْ ترجمه مع غيره
وممن علمته الآن ترجم الشيخ سوى من تقدم، الشيخ شمس الدين محمد بن الفخر عبد الرحمن بن يوسف البعلي. قال فيه: كان إمامًا بارعًا، حافظًا متقنًا، أتقن علومًا شتى، وصنّف التصانيف الجمة، مع شدة الورع والزهد، وكان أمّارًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، على الأمراء والملوك والناس عامة، فنسأل الله أن يرضى عنه ويرضى عنا به.
والشيخ قطب الدين موسى اليونيني، الحنبلي، قال في ذيله على " المرآة " لسبط ابن الجوزي.
المحدث الزاهد، العابد الورع، المتبحر في العلوم، صاحب التصانيف المفيدة، كان أوحد زمانه في الورع والعبادة، والتقلل من الدنيا والاكباب على الإفادة والتصنيف، مع شدة التواضع، وخشونة الملبس والمأكل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي ترجمته له فوائد فرّقتها في محالها.
والتاج الفاكهاني المالكي. وصفه في خطبة " شرح الأربعين " بالشيخ الإمام، العلامة الزاهد، محيي الدين ﵀.
والحافظ العلم البرزالي. وصفه في تاريخه المسمى " المقتفي لتاريخ أبي شامة "، الذي افتتحه من أول سنة خمس وستين، بالشيخ الإمام، الحافظ الزاهد، وقال: كان ورعًا متعبدًا، متقللًا من الدنيا، يصوم الدهر.
والكمال جعفر الإدفوي. وصفه في كتابه " البدر السافر " بالزاهد الورع. وقال: إنه صنّف تصانيف مفيدة وحصل النفع بها، ودارت عليه الفتوى بدمشق، ومآثر غزيرة، ومضى على جميل وسداد.
وقضى ما كُتبتْ عليه خطيئةٌ ... من يوم حلّ بساحه التكليفُ
قال: وكان فقدُه من أعظم المصائب، وعدمُه بليَّة رمت العباد بسهم من البلاء، صائب، ﵀ ونفعنا ببركته، وحشرنا معه في آخرته في دار كرامته.
والحافظ الشمس الذهبي. قال في " سير النبلاء ": الشيخ الإمام القدوة الحافظ، الزاهد العابد، الفقيه المجتهد، الرباني، شيخ الإسلام، حسنة الأيام، محيي الدين، صاحب التصانيف التي سارت بها الركبان، واشتهرت بأقاصي البلدان. إلى أن قال: لازم الاشتغال والتصنيف، محتسبًا في ذلك، مبتغيًا وجه الله تعالى، مع التعبد، والصوم والتمجد، والذكر والأوراد، وحفظ الجوارح، وذمِّ النفس، والصبر على العيش الخشن، ملازمة كلّية لا مزيد عليها، وكان مع ملازمته التامة للعلم، ومواظبته لدقائق العمل، وتزكية النفس من شوائب الهوى وسيِّء الأخلاق، ومحقها من أغراضها: عارفًا بالحديث، قائمًا على أكثر فنونه، عارفًا رجاله، رأسًا في نقل المذهب متضلعًا من علوم الإسلام.
وقال في " تاريخ الإسلام ": مفتي الأمة، شيخ الإسلام، الحافظ النبيه الزاهد، أحد الأعلام، علَم الأولياء.
وقال في " طبقات الحفّاظ " في الطبقة الحادية والعشرين منها: شيخ الإسلام محيي الدين، هو سيد أهل هذه الطبقة، وإنما ذكرته في الطبقة العشرين لتقدم موته رحمة الله تعالى عليه.
والعلاّمة الزين أبو حفص ابن الوردي. قال في " تاريخه ": شيخ الإسلام، العالم الرباني الزاهد إلى أن قال: وله سيرة مفردة في علومه وتصانيفه، ودينه وتفنّنه، وورعه، وزهده، وقناعته وتعبده وتهجده، وخوفه من الله تعالى. إلى أن قال: وقبره ظاهر يُزار بنوى. وقد قلت:
لقيتِ خيرًا يا نَوى ... وحُرِستِ من ألم النوى
فلقد نشا بِك زاهدٌ ... في العلم أخلص ما نوى
وعلى عداهُ فضلُه ... فضلُ الجنوب على الهوا
1 / 41