وقرأت في تاريخه من نصه: رأيت في ليلة الاثنين، الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة، الشيخ محيي الدين النووي ﵀، فقلت له: يا سيدي الشيخ، لم لا أدخلت في شرحك " المهذّب " شيئًا من مصنفات ابن حزم؟ فقال ما معناه: إنه لا يحبه، فقلت له: أنت معذور فيه، فإنه جمع بين طرفي النقيض في فروعه وفي أصوله، أما هو في الفروع فظاهري جامد يابس، وهو في الأصول مؤول مئع، قرمط القرامطة، وهرمسة الهرامسة. ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم، ثم أشرت إلى أرض خضراء تشبه النجيل، بل هي أردأ شكلًا منه، لا ينتفع بها في استغلال ولا رعي، فقلت له: هذه أرض ابن حزم التي زرعها، انظر، هل ترى فيها شجرًا مثمرًا، أو شيئًا يُنتفع به؟ ثم قلت: إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر. هذا حاصل ما رأيته، ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضرًا عندما أشرت للشيخ محيي الدين إلى الأرض المنسوبة إلى ابن حزم، وهو ساكت لا يتكلم.
وقال العثماني قاضي صفد: إنه " يعني شرح المهذب " لا نظير له، لم يصنّف مثله، ولكنه ما أكمله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذ لو أكمله ما احتيج إلى غيره، وبه عُرف قدره، واشتهر فضله.
وقال التقي السبكي في أول التكملة التي عملها تلوه " وقد وصف المؤلف بالشيخ الإمام العلامة، علم الزهاد، قدوة العبّاد، أوحد عصرة، وفريد دهره، محيي علوم الأولين، وممهِّد سنن الصالحين ": إن بعضهم طالت " يعني في تكملة شرح المهذب " رغبته إليّ وكثّر إلحاحه عليّ، وأنا في ذلك أقدّم رجلًا وأواخر أخرى، واستهول الخطب، وأراه شيئًا أمرًا، وهو في ذلك لا يقبل عذرًا، وأقول: قد يكون تعرّضي لذلك مع قصوري عن مقام هذا الشارح إساءة إليه، وجناية مني عليه، وأني " لي أن " أنهض بما نهض به وقد أُسعِف بالتأييد، وساعدته المقادير فقرّبت منه كل بعيد؟ ولا شك أن ذلك يحتاج بعد الأهلية إلى ثلاثة أشياء: أحدها: فراغ البال واتساع الزمان، وكان ﵀ قد أوتي من ذلك الحظّ الأوفى، بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من تعيُّش ولا أهل.
والثاني: جمع الكتب التي يُستعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء، وكان رحمه الله تعالى قد حصل له من ذلك حظ وافر، لسهولة ذلك في بلده في ذلك الوقت.
والثالث: حسن النية وكثرة الورع والزهد، والأعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها، وكان رحمه الله تعالى قد اكتال من ذلك بالمكيال الأوفى.
فمن تكون قد اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث، أنَّى يضاهيه أو يدانيه من ليست فيه واحدة منها؟ إلى أن قال: وقد استخرت الله تعالى وقلت في نفسي: لعل ببركة صاحبه ونيته يعينني الله تعالى عليه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فإن كنّ الله بإكماله فلا شك في ذلك من فضل الله تعالى وبركة صاحبه ونيته، إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان، انتهى كلام السبكي.
وانتهت كتابته " كما رأيته بخطه في أربعة مجلدات " إلى التفليس. ولم يتهيأ إكماله لأحد ممن انتدب لذلك، لا العماد إسماعيل الحُسباني، ولا التاج السبكي، ولا الشهاب ابن النقيب، ولا السراج البلقيني؛ وسماه " الينبوع في تكملة المجموع "، كتب منه مجلدًا من النكاح، ولا الزين العراقي، ولا ولده، رحمة الله عليهم أجمعين، وعُدّ ذلك من كرامات مؤلفه.
وكتب الكمال جعفر الأدفوي على مقدمة " شرح المهذب " أشياء حسنة، وزاد أمورًا مهمة. وشرع شيخنا في نكت عليه، فكتب يسيرًا من أوائلها.
" حول الروضة " وأما " الروضة " فقد انتدب لاختصارها القطب محمد بن عبد الصمد عبد القادر السنباطي، لكنه لم يُكمل.
والشمسان: محمد بن عبد المنعم المنفلوطي، ومحمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان لكنه لم يشتهر، لغلاقة لفظه.
والشمس محمد بن أبي بكر بن عبد الله الأنصاري الفُوي السكندري، المتوفي سنة أربعين وسبعمائة.
والعز محمد بن محمد بن محمود بن محمد بن بندار، التبريزي الأصل، المقدسي، البعلي.
والنجم عبد الرحمن بن يوسف الأصفوني.
والجمال محمد بن أحمد بن محمد الشريشي.
وفتح الدين محمد بن علي بن إسماعيل العشائشي، قاضي المرتاحية، في مجلدين لطيفين، وكان حيا في سنة أربع وتسعين وسبعمائة.
والشرف أبو الروح عيسى بن عثمان الغزّي، مصنف " أدب القضاء "، اختصرها مع زيادات كثيرة أخذها من " المنتقى " وغيره.
1 / 14