أن يكون البدن علة قابلية لها على سبيل التركيب كالعناصر للأبدان أو بسبيل البساطة كالنحاس للصنم ، وهذا أيضا محال لأنا قد بينا وبرهنا أن النفس ليست منطبعة في البدن بوجه من الوجوه ، فلا يكون البدن إذن متصورا بصورة النفس لا بحسب البساطة ولا بحسب التركيب ، بأن يكون أجزاء من أجزاء البدن ، تتركب وتتمزج تركبا ومزاجا ، فينطبع فيها النفس. وإما أن يكون البدن علة صورية أو كمالية للنفس. وهذا أيضا محال ، بل الاولى أن يكون الأمر بالعكس إن كان هناك تفرض العلة الصورية أو الكمالية ، فإذن ليس تعلق النفس بالبدن ، تعلق معلول بعلة ذاتية. وإن كان المزاج والبدن علة بالعرض للنفس فإنه إذا حدث مادة بدن تصلح أن تكون آلة للنفس ومملكة له ، أحدثت العلل المفارقة النفس الجزئية ، فإن إحداثها بلا سبب يخصص إحداث واحد دون واحد محال ، ومع ذلك فإنه يمنع عن وقوع الكثرة فيها بالعدد لما قد بيناه ، ولأنه لا بد لكل كائن بعد ما لم يكن من أن يتقدمه مادة يكون فيها تهيؤ قبوله وتهيؤ نسبته إليه كما تبين في العلوم الاخرى ولأنه لو كان يجوز أيضا أن يكون نفس جزئية تحدث ، ولم يحدث لها آلة بها تستكمل وتعقل ، لكانت معطلة في الطبيعة وإذا كان ذلك ممتنعا ، فلا قدرة عليه ، ولكن إذا حدث التهيؤ للنسبة والاستعداد للآلة ، يلزم حينئذ أن يحدث من العلل المفارقة شيء ، هو النفس. وليس ذلك للنفس فقط ، بل كل ما يحدث بعد ما لم يكن من الصورة ، فإنما يرجح وجوده عن لا وجوده استعداد المادة له وصيرورتها خاصة به ، وحيث ظهر أن حدوث النفس إنما هو بحدوث البدن ، من غير أن يكون البدن علة ذاتية لها فنقول : ليس إذا وجب حدوث شيء عند حدوث شيء ، وجب أن يبطل مع بطلانه ، بل إنما يكون ذلك إذا كان ذات الشيء قائما بذلك الشيء ، وفيه ، وقد يحدث امور عن امور وتبطل تلك الامور وتبقى تلك الامور إذا كانت ذاتها غير قائمة فيها ، وخصوصا إذا كان مفيد الوجود لها شيء آخر غير الذي إنما يتهيأ إفادة وجوده مع وجوده ، ومفيد وجود النفس هو غير جسم ولا هو قوة جسم ، بل هو لا محالة ذات قائمة مبراة عن المواد وعن المقادير. وإذا كان وجود النفس من ذلك الشيء البريء عن المادة القائمة بذاتها وكان يحصل من البدن وقت استحقاقها للوجود فقط ، فليس للنفس تعلق بالبدن في الوجود ولا البدن علة لها إلا بالعرض ، ولا التعلق بينهما على نحو يوجب أن يكون البدن متقدما بالعلية عليها حتى تفسد النفس بفساد علته أي البدن.
مخ ۱۳۶