تلك النفوس مع أنها واقعة تحت أعم المقولات البتة بما ذا؟
لأنا نقول : هذه شبهة لا اختصاص لها بهذا الموضع ، بل واردة على كل فصل ؛ وحلها أن يقال : إن امتياز تلك الفصول إنما هو بذواتها وأنفسها ، بفصول اخر.
وبيان ذلك أن امتياز تلك الفصول بفصول اخر ، إنما يلزم لو كانت أعم المقولات التي فرضتها مقولة على تلك الفصول قولا ذاتيا ، كقول الجنس على النوع ، وليس الأمر كذلك ، بل قولها عليها قول عرضي ، مثلا الحيوان وإن كان يقال على الإنسان والناطق ، إلا أن قوله على الإنسان قول ذاتي ، بمعنى أنه جنس له ، وهو نوع له يحتاج في تميزه عن غيره بفصل ، وهو الناطق. وقوله على الناطق ليس كذلك ، فإنه لو كان كذلك ، لكان الناطق أيضا نوعا والحيوان جنسا له أيضا ، فيحتاج إلى فصل آخر ، وهذا الفصل الآخر لو كان قول الحيوان عليه قولا ذاتيا كذلك ، فيحتاج إلى فصل آخر ، وهكذا ؛ فيلزم التسلسل ، وهو محال.
فبقي أن يكون قول الحيوان على الناطق قولا عرضيا ، وأن يكون امتياز الناطق عن غيره بذاته ، من غير احتياج إلى فصل آخر يميزه عن غيره ، كما هو رأي الشيخ وكثير من الحكماء.
وإن شئت قلت : إن امتيازه عن غيره بذاته ، وكذا بوجوده الخاص الذي هو متميز بذاته ، حتى يستقيم أيضا على رأي من يجعل الفصل بالحقيقة هو الوجود الخاص ، كما في المشخص. والله أعلم بحقيقة الحال.
ثم إن قول الشيخ (1) «ثم كل صورة كمال وليس كل كمال صورة ، فإن الملك كمال المدينة» إلى آخر ما ذكره بيان للفرق بين الصورة والكمال ، وأنه إذا قلنا في تعريف النفس «إنها كمال» ، كان أولى ، حيث كان أدل على معناها المقصود منها ؛ وكان أيضا يتضمن جميع أنواع النفس من جميع وجوهها النباتية والحيوانية والإنسانية ، ولا يشذ النفس المفارقة عن المادة كالإنسانية عنه ، بخلاف ما إذا قيل في تعريفها : «إنها صورة» ،
مخ ۵۷