285

العقل الحاكمة بأن الشيء الواحد يستحيل أن يقتضي لذاته عدمه في زمان ويقتضي لذاته وجوده في زمان آخر. وإغناء للحوادث عن المحدث. وسد لباب إثبات الصانع ، لجواز أن تكون ممتنعة لذواتها في زمان كونها معدومة ، وواجبة لذواتها حال كونها موجودة ، فلا حاجة لها إلى صانع يحدثها.

فحاصل كلامه إبطال سند المنع من وجهين : أولها بطريق البرهان ، والثاني بطريق النقض الإجمالى والإلزام.

وهذا الذي ذكرناه ، هو تحرير كلام صاحب المواقف ، إلا أن قوله : «الوجود أمر واحد في حد ذاته لا يختلف ابتداء وإعادة بحسب حقيقته وذاته إلى آخره ».

كأن مراده منه الوجود العام الانتزاعي الذي قالوا : إنه أمر واحد بحسب الحقيقة ، مشترك معنوى بين الموجودات ، وإلا فالوجود الخاص بمعنى ما ينتزع منه الوجود العام وحصصه ليس واحدا بحسب الحقيقة ، بل مختلف بحسب اختلاف الماهيات والذوات. وأن إيراده للفظ المغاير في المواضع الأربعة ، سواء كان بلفظ الواو العاطفة أو بلفظ (أو) العاطفة على اختلاف النسختين ، كان فيه إشارة إلى أن المراد من الوجود الخاص أو الاخص ، وكذا من الوجود المطلق أو الأعم ، ليس إلا الوجود المغاير أي المغاير بحسب الإضافة إلى الزمان ، إذ ليس هنا خصوص ولا عموم ، ولا إطلاق بحسب معنى من المعاني إلا معنى المغايرة. وأنه ينبغي أن يحمل إطلاق هذه الألفاظ في كلام المانع في تقرير السند الثاني على هذا المعنى أيضا حتى يكون له وجه كما أشرنا نحن أيضا فيما سبق إليه.

وإلا أن قوله : «لجواز أن يكون ممتنعة لذواتها في زمان كونها معدومة وواجبة لذواتها حال كونها موجودة ، فلا حاجة لها إلى صانع يحدثها» كأن فيه إيماء إلى أنه حينئذ يلزم تجويز انقلاب آخر غير ذلك أيضا ، وهو تجويز أن تكون الحوادث ممكنة لذواتها في زمان كونها معدومة ، وواجبة لذواتها حال كونها موجودة ، فلا حاجة لها إلى صانع يحدثها ، وإنما لم يدعه أيضا لعدم كونه في مقام استقصاء جميع الانقلابات الممتنعة ، فاكتفى بالأول مع كونه في ظهور المفسدة بحيث لا يخفى على أحد.

ثم إنك بعد ما تبينت تحرير كلام صاحب المواقف ، لا يخفى عليك أن إيراده على السند الثاني حيث أورده بحيث كان مقابلا له في الظاهر لو كان واردا عليه ، لربما أمكن

مخ ۳۳۴