228

الثاني مماثلا للأول في الماهية وفي جميع الصفات والأحوال ، مغايرا له بحسب الزمان فقط ، نعلم بالضرورة أن الثاني ليس هو الأول بعينه ، بل غيره بحسب التشخص ، وإن كان مماثلا له فيه.

والحاصل أنا نعلم بديهة أن الأول شخص خاص ، والثاني شخص آخر مغاير له بحسب التشخص في الواقع والخارج ، لا بحسب الذهن والاعتبار فقط ، كما زعمه بعض ، وإن كان مماثلا له ، وإذا ليس هنا أمر يفرض كونه منشأ لاختلاف الشخص إلا الوقت ، فيعلم منه أن الوقت له مدخل في التشخص ، وهو المطلوب.

وأيضا إذا كان هناك مثلا لوح خاص معين تلون في وقت خاص بلون خاص مشخص ، ثم ازيل ذلك اللون عنه ، ثم لون في وقت آخر بعد ذلك بذلك اللون بعينه ذلك اللوح المخصوص مثل الأول ، نعلم بالبديهة أن اللون الثاني غير الأول بحسب التشخص في الواقع ، وإن كان مماثلا له في الماهية والموضوع وسائر الصفات ، فيعلم من ذلك أيضا أن للوقت دخلا في التشخص ، وأنه من جملة المشخصات ، كما أن الموضوع أيضا من جملة المشخصات ، كما إذا كان هناك لو حان خاصان قد تلونا في وقت واحد بلون خاص ، حيث نعلم بالضرورة أن أحد اللونين غير الآخر بالشخص ، وما ذلك إلا لاختلاف الموضوع. وبالجملة الحكم بكون الزمان من جملة المشخصات أو لازما لما هو مشخص مما يحكم به الوجدان الصحيح ، وعليه منبهات كثيرة تعلم بالتتبع.

إلا أنا نعني بكون الزمان مشخصا كما ذكره بعض أهل التحقيق ، مثل المحقق الدواني وغيره ، أن لزمان وجود الشيء بوحدته الاتصالية مدخلا في تشخصه ، فاذا انقطع اتصاله من حيث هو زمان الوجود بتخلل العدم ، لم يبق الشخص ، ولا نعني بهذا أيضا أن الزمان المتصل الممتد من آن حدوثه إلى آخر زمان البقاء ، له مدخل في تشخصه ، حتى يرد أن هذا الأمر الممتد لم يوجد في شيء من آنات زمان وجوده ، مع أن زيدا مثلا كان مشخصا في كل آن يفرض منها ، بل نعني به أن القدر المشترك بين تلك الأزمنة وبين الآنات المفروضة فيها ، له مدخل في تشخصه بشرط الاتصال وعدم الانقطاع بالعدم. أو أنا نعني بكون الزمان مشخصا أن لآن الحدوث مدخل في تشخصه ، ولما بعده من الزمان مدخلا في حفظ ذلك التشخص بشرط اتصاله من حيث هو زمان الوجود.

مخ ۲۷۷