على اصوله على وجه يتم به مطلوبه ويندفع عنه الإيراد ، وكذا انتفاء الاحتمالات التي هي صارت منشأ لإيراد صاحب المحاكمات ، والإمام الرازي عليه ما أوردا عليه كما لا يخفى. نعم ما ذكره الإمام الرازي من الاعتراض الثالث لم يتضح بعد بيان اندفاعه ، وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى.
ثم إنه ربما يتراءى من الإمام في اعتراضه الثاني أنه حمل قول الشيخ في الدليل : «وإن اخذت لا على أنها أصل ، بل كالمركب من شيء كالهيولى وشيء كالصورة عمدنا بالكلام نحو الأصل من جزئيه» على أنه إن اخذت لا على أنها أصل اخذت مركبة في ذاتها من جزءين كالهيولى والصورة ، مثل الجسم. إلا أن هذين الجزءين حيث كانا جزئي شيء مفارق عن المادة ، أي النفس يكونان مخالفين لهيولى الأجسام وصورها ، وعمدنا بالكلام نحو هيولاها ، فإنها حيث كانت أصلا ، أي بسيطة في ذاتها غير قائمة بمادة ليس فيها قوة فساد نفسها ، فهي باقية غير قابلة لطريان الفساد عليها ، وهذا أعني عدم فساد هيولاها كاف فيما نحن بصدده من بيان أن النفس غير فاسدة ، حيث إن جزءها الأصل أعني شيئا كالمادة لها غير فاسد.
وحيث هو حمل كلام الشيخ على ذلك أورد عليه الاعتراض ، وقال : إنه على هذا لما كان الباقي من النفس هو النفس ، بل جزءا منها ، وهو خلاف المقصود ، وحينئذ يجوز أن لا تكون كمالاتها الذاتية الباقية ببقائها باقية ، لأنها تابعة لجزئها الآخر الذي هو صورتها ، والمفروض فسادها ، لأنها متعلقة بمادتها ، ويمكن أن يكون قوة فسادها في مادتها كما في سائر الكائنات الفاسدات وإن لم يكن في تلك المادة قوة فساد نفسها ، وعلى هذا فلا تكون النفس باقية ولا كمالاتها الذاتية.
ولا يخفى عليك أنه بما قررنا كلام الشيخ في الاستدلال كان هذا الاحتمال الذي فهمه منه منتفيا ، بل كان بعيدا عنه بمراحل ، كيف ولو حمل كلام الشيخ على ذلك لكان استدلالا واهيا لا يرتكبه من له أدنى مسكة فكيف مثل الشيخ؟! وهل هذا إلا مثل أن يقال : إن الجسم العنصري الكائن الفاسد غير فاسد ، لأنه مركب من هيولى وصورة ، وصورته المتعلقة بمادته وإن كانت قابلة للفساد حيث إن في هيولاها قوة فسادها لكن هيولاه غير قابلة للفساد من جهة أنها بسيطة غير قائمة بالمادة وليس فيها قوة فساد نفسها ، وهذا مما
مخ ۱۹۴