وبناء هذه الأقوال كلها على عدم العثور والاطلاع على كيفية الحركات الجوهرية ، وكيفية تجدد الصورة على المادة وتلازمهما. وقد مرت الإشارة إلى أن المادة باستعدادها علة مصححة لتشخص الصورة ، والصورة بجوهرها العقلي علة موجبة لمادة غير الاولى ، بل لبقائها. وهكذا تسلسلت المواد بالصور والصور بالمواد ، فالجامع في كل حين غير الحافظ ، لأن الأول معد ومحرك بحسب تحركه ، والثاني موجب ممسك حسب ثباته وبقائه ، وهكذا في كل صورة طبيعية أو نفسانية ، إذ لها جهتان جهة حدوث وتجدد بواسطة تعلقه بالمادة التي شأنها الانصرام ، وجهة بقاء ودوام لأجل تعلقه بالواجب القيوم ، فالمقوم من الصورة للمادة غير المتجدد فيها بوجه ، وعينه بوجه ، كما نبهناك عليه مرارا.
ثم إن العلامة الطوسي بعد أن زيف قول الشارح القديم للإشارات بأن تصرف نفس المولود في المادة التي تصرفت فيها نفس الوالدين ، وتفويض التدبير من قوة أو نفس بعد مدة إلى اخرى مستحيل. لأن تفويض أحد الفاعلين مادة صنعه إلى فاعل آخر ينوب عنه في تتميم فعله ، إنما جاز في الأفاعيل غير الطبيعية بين فاعلين يفعلان بإرادة دون الطبيعية.
أجاب عن أصل الإشكال بأن ما يقتضيه القوانين الحكمية أن نفس الأبوين تفرز من مواد الغذاء بقوتها المولدة مادة مستعدة لقبول قوة من شأنها إعداد المادة وتصييرها انسانا بالقوة ، وهي صورة حافظة لمزاج المني كالصورة المعدنية ، ثم المني يتزايد كمالا في الرحم بحسب استعدادات يكتسبها إلى أن يصير مستعدا لقبول نفس أكمل يصدر عنها مع حفظ المادة الأفعال النباتية ، وهكذا إلى أن يصير مستعدا لقبول نفس أكمل يصدر عنها مع جميع ما تقدم الأفعال الحيوانية ، فيتم البدن ويتكامل إلى أن يستعد لقبول نفس ناطقة يصدر عنها مع ما تقدم النطق وتبقى مدبرة إلى أن يحل الأجل. (1)
وقال : فبين أن الجامع للأجزاء الغذائية الواقعة في الجنين هو نفس الأبوين ، وهو غير حافظها ، والجامع للأجزاء المنضافة إلى أن يتم البدن وإلى آخر العمر والحافظ للمزاج هو نفس المولود.
فقول الشيخ : «إنهما واحد» بهذا الاعتبار ، وقوله : «ان الجامع غير الحافظ» بالاعتبار الأول.
مخ ۱۶۱