94

منهج په عربي فکر کې

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

ژانرونه

بل إن واقع العلوم الإنسانية والاجتماعية - باعتبارها الحاضن الأساس لقيم العلمنة - في الغرب والعالم العربي لم تعد تتحمل هذا الخرق القاتل بين الظواهر الاجتماعية والإنسانية والقيم المجتمعية، بعد أن اتضح حجم الكوارث في منظومة القيم والعلاقات الموجهة لسلوك الإنسان مع ذاته ومع الطبيعة. وموقف الجابري من المفهوم لا يعني التخلي عنه بشكل نهائي، وإنما ليعيد تركيبه وفق مطامح أيديولوجيا جديدة ومن خلال مرجعية مغايرة مستبدلا إياه بمفهومي العقلانية والديمقراطية؛ لأنهما أقدر على التعبير عن طموحاتنا من مفهوم العلمانية.

لكن تبقى ملاحظاته في العمق المنهجي الذي نتوخاه، وتكشف عن صعوبة تداول المفهوم في الفكر العربي المعاصر، وتعري جانبا من الصراعات الفكرية، والمرجعية التي عاشها عقل هذا الفكر، ويؤكد أن هذا الشعار ما يزال مدعاة للبس وسوء الفهم في الفكر العربي المعاصر، وحصل فيه نوع من الشطط في استعماله يقول: «إن مسألة «العلمانية» في الوطن العربي مسألة مزيفة ، بمعنى أنها تعبر عن حاجات بمضامين غير متطابقة مع تلك الحاجات: إن الحاجة إلى الاستقلال في إطار هوية قومية واحدة، والحاجة إلى الديمقراطية التي تحترم حقوق الأقليات والحاجة إلى الممارسة العقلانية للسياسة هي حاجات موضوعية فعلا، إنها مطالب معقولة وضرورية في وطننا العربي، ولكنها تفقد معقوليتها وضروريتها بل مشروعيتها عندما يعبر عنها بشعار ملتبس كشعار «العلمانية».»

119

بل ذهب الجابري أبعد من ذلك حين اعتبر الأسئلة التي طرحها مفهوم العلمانية في الوطن العربي أسئلة مزيفة وضلالا فكريا، إذ «لا شيء يعتم الرؤية ويوقع في التيه الوجداني والضلال الفكري كالأسئلة المزيفة. الأسئلة المزيفة هي كأسئلة الأطفال، أسئلة تطرح مشاكل مزيفة يعيشها الوعي على أنها مشاكل حقيقية. وخطورة السؤال المزيف تكمن في أنه يستدعي جوابا مزيفا يثير بدوره مشكلة أو مشكلات مزيفة؛ ذلك لأن كل سؤال لا يطرح إلا ويحمل معه مشروع جواب (...) والأسئلة المزيفة هي في الغالب أسئلة لا تستمد إشكاليتها من الواقع، بل هي تعبر عن إشكالية فكر حالم، أو فكر مجرد، ميتافيزيقي (...) مشكلة تستقي مضمونها وتحديداتها من مجال آخر. وثنائية الدين والدولة في الفكر العربي الحديث هي من هذا النوع الأخير من المشاكل. ذلك أن السؤال «هل الإسلام دين ودولة؟» سؤال لم يسبق أن طرح قط في الفكر الإسلامي منذ ظهور الإسلام حتى أواخر القرن الماضي، وإنما طرح ابتداء من منتصف القرن الماضي بمضمون لا ينتمي إلى التراث الإسلامي، مضمون نهضوي يجد أصوله وفصوله في النموذج الحضاري الأوروبي الذي كان العرب وما زالوا يطمحون إلى تحقيقه في أوطانهم، وبالخصوص ما يتعلق بالتقدم والنهضة.»

120

فهو لا يمل في مطالبة الفكر العربي المعاصر بضرورة مراجعة مفاهيمه وتدقيقها وتطويعها حتى تستجيب لحاجاتنا الموضوعية وإشكالاتنا الحقيقية والواقعية، بدل الاستمرار في الأسئلة، والأجوبة المزيفة، والمضاعفة لزيف الوعي العربي المعاصر. فاختلاط المفاهيم في نظره أحد العوائق الإبستيمية في تطور العقل العربي المعاصر، وفشل مشروع النهضة.

ويزيد الجابري توضيحا لهذا الإشكال - المفهوم، حين اعتبر مشكلة ترتيب العلاقة بين الدين والدولة ليست مشكلا عربيا يعم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، بل هو مشكل قطري محلي يعني مناطق بعينها، قاطعا الطريق على أنصار التعميم لأطروحة المفهوم، كاشفا عن السياق التاريخي لهذا التخصيص، من خلال الصراع القائم بين عرب المشرق، والسلطة العثمانية التي حكمت باسم الإسلام بلدانا عربية فيها أقليات دينية غير مسلمة، مما جعل المسألة تتخذ في رأيه «طابع الاضطهاد الديني: اضطهاد «دولة» الأغلبية المسلمة، أو التي تحكم باسمها، لأقليات دينية وطنية لها الحق نفسه، في الوطن الذي لغيرها من السكان. في هذه الأقطار كان من المقبول تماما أن تطرح المسألة على أنها مسألة «دين ودولة» ونوع العلاقة الواجب إقامتها بينهما، ولكن لا على أنها مشكلة «العلمانية» بالمفهوم الأوروبي للكلمة، بل على أنها مشكلة الديمقراطية، أعني أنها مشكلة تنظيم السلطة داخل دولة وطنية حديثة.»

121

ونداء الكتلة التاريخية الذي أطلقه يعبر عن هذا المنحى التوافقي في فكر الجابري بين تيارات المجتمع، بعد تحريره من المفاهيم المشوشة.

122

ناپیژندل شوی مخ