132

منهج په عربي فکر کې

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

ژانرونه

إن المدخل الأساس والطبيعي لنهضة الأمة وتأسيس حداثة إسلامية راشدة هو مدى قدرتها على حصول قراءة جديدة للقرآن الكريم؛ ذلك أن «القرآن هو سر وجود الأمة المسلمة، وسر صنعها للتاريخ، فإذا كان هذا الوجود والتاريخ ابتدآ مع «البيان النبوي» أو قل «القراءة النبوية» للقرآن، قد دشنت بذلك الفعل الحداثي الإسلامي الأول إن جاز هذا التعبير في حقها، فإن استئناف هذا الوجود لعطائه ومواصلة هذا التاريخ لمساره، وبالتالي تدشين الفعل الحداثي الإسلامي الثاني، كل هذا لا يتحقق إلا بإحداث قراءة أخرى تجدد الصلة بهذه القراءة النبوية. ومعيار حصول هذا التجديد هو أن تكون هذه القراءة الثانية قادرة على توريث الطاقة الإبداعية في هذا العصر كما أورثتها القراءة المحمدية في عصرها.»

46

هكذا رفع طه عبد الرحمن قلم التحدي المعرفي والمنهجي ضد التغول الغربي وحداثته ووسطائه من أبناء هذه الأمة، وكشف قلق عباراتهم وتهافت أطروحاتهم، وفعلا كان تحديا قويا وناجحا إلى أبعد الحدود رؤية ومنهجا، فلم يكن طه عبد الرحمن في مشروعه الفلسفي عدميا تفكيكيا، بل كان تفكيكيا إنشائيا مبدعا، ومحاورا ذكيا، حجته البرهان العقلي والمنطق الأخلاقي والواقعي.

مشروع سعى من خلال عمقه التأويلي إلى تحرير الإنسان العربي من معتقد بمفاهيم الغرب إلى منتقد لها، فالانتقاد - كما يقول - دليل القوة، والاعتقاد دليل ضعف، والمنتقد مقاوم لكل مظاهر الفساد المعرفي والمنهجي، فينقل فعل التفلسف العربي من تقليد الغير، إلى إكسابه القدرة على إنشاء فلسفته الخاصة، ويحيي فيه أسباب الدخول في الحداثة المبدعة الراشدة لا المقلدة المشوهة. (2) المبحث الثاني: عبد الوهاب المسيري: رؤية معرفية منهجية بديلة

نقف في هذا المبحث عند تجربة فكرية غنية في مسارها، متميزة في أدائها، قوية في منهجها، إنها تجربة المفكر المصري عبد الوهاب المسيري رحمة الله عليه. متميزة لأنها حاولت تحرير الفكر العربي المعاصر من المسار المتحيز للفكر الغربي والاستقلال عن هذه التحيزات، والفكر الإنساني من الثنائيات المتناقضة ومن حداثة الغرب الداروينية.

وما يجعل هذا المشروع في صلب اهتماماتنا هو عمق التحليل الذي يقترحه في دراسة القضايا والإشكالات والبدائل التي يطرحها، على مستوى الآليات المنهجية البديلة أو النظام المعرفي البديل لما هو متداول منذ عصر النهضة العربية إلى اليوم.

بديل يرى فيه القدرة للخروج من مصائب الحضارة الغربية وتحيزاتها السلبية، لكن لهذا التأسيس وهذا البناء عند المسيري مقدمات واضحة ومعالم بارزة ينبغي التحكم فيها وفهمها، وإلا كان الأمر إعادة وتكرارا للتجارب الماضية. ومن المداخل التي اعتمدها المسيري في تأسيس بدائله نقد النموذج المعرفي الغربي كخطوة أساسية في توليد نماذجنا المعرفية العربية الإسلامية، وهكذا سنركز في هذا المبحث على خطوتين أساسيتين: (2-1) النموذج المعرفي الغربي: رؤية نقدية

يؤمن المسيري إيمانا عميقا بأن امتلاك رؤية معرفية منهجية بديلة مستقلة عن النموذج المعرفي الغربي إنما تبدأ عنده من تأسيس ما سماه ب «المحور النقدي للمشروع الحضاري الإسلامي»،

47

الذي تبدأ أولى خطواته بنقد المشروع الغربي المهيمن وكل نماذجه وتفكيك منظومته المعرفية، وقد ساعده على ذلك تمرسه بالآليات المنهجية وخبرته في التعامل معها على اختلاف تكويناتها العقدية.

ناپیژندل شوی مخ