116

منهج په عربي فکر کې

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

ژانرونه

(دراسة في نماذج)

عاشت الأمة العربية الإسلامية أطوارا حضارية متقلبة ومتناقضة في تشكيلها الفكري والمنهجي، وكانت مسرحا لتجارب فكرية ومشاريع إصلاحية منذ طرح سؤال النهضة، وأطوارا متنقلة بين مدارس فكرية غريبة الهوية والحضارة، لم تثمر ما كانت ترجو وتصبو إليه من تحقيق النهضة والتقدم والحضارة، فظلت متأرجحة في تصوراتها بين حقول معرفية ولدت لديها أزمة عميقة في نسقها الفكري وبنائها المنهجي، وشوهت معالمها الحضارية.

وكان الضعف التاريخي والحضارة سببا مباشرا في التمكين لمنظورات ومنهجيات متعددة في نسقها الفكري والمعرفي، وغياب بدائل داخلية من شأنها المنافسة والمزاحمة والتدافع الحضاري الإيجابي، فظلت خاضعة للبدائل الغربية ومركزيتها التي اختارتها «النخب» العربية بديلا وقبلتها المفضلة - رؤية ومنهجا - لا تبغي عنها حولا، معتقدة صوابية الوجهة والتوجه، فكانت الحصيلة كما يرى الجميع ويتفق، لا هي أمة أصالة ولا أمة معاصرة، لا هي حداثية ولا هي تراثية، أمة التناقضات والنماذج الفكرية والمنهجية المجربة والمخصبة خارج رحم الأمة، فترك التطبيق التعسفي لنماذج فكرية متأرجحة ولمنهجياتها آثارا مدمرة على الشاكلة الثقافية للأمة، وأفقدها استقلالها التاريخي والفكري، فضاعت كثير من الجهود في تحقيق حلم النهضة.

ونسوق شهادة وفاة واقعية موقعة لأحد رموز التيار القومي العربي، الدكتور محمد عابد الجابري، على الفشل الذي منيت بها تيارات الأمة، وكساد بضاعتها الفكرية وعدتها المنهجية، ويصوغ هذا الفشل على شكل تساؤلات: «هل تمكن العرب فعلا من تحقيق نهضتهم؟ وهل حققوا من التقدم ما يكفي لجعل مشروع النهضة يتحول فعلا إلى مشروع ثورة؟» إشكالات تعبر عن القلق، يقول: «ومهما تنوعت الآراء واختلفت الاتجاهات، فإن أحدا منا نحن العرب المعاصرين لن يجادل في مشروعية طرح مثل هذه الأسئلة، وفي هذا الوقت بالذات، ودون أن نستخلص من هذه الأسئلة أو من المعطيات - التي تستحثنا على طرحها - نتائج قد تكون أكبر مما ينبغي، فإن الواقع اليومي الذي يفرض نفسه علينا في الظروف الراهنة يجعلنا نشعر فعلا وكل يوم بأن «شيئا ما» لم يتحقق، أو لم ينجز في هذه «النهضة» العربية، وبالتالي نشعر بأننا لم ننجز بعد نهضتنا كاملة»،

1

لأنها مشاريع أسست على مقدمات خاطئة، ولافتقادها لإطار مرجعي جامع وموحد، يجمع شتات أفكارها ويرتبها في نسق حضاري جامع.

وقد شكلت هذه التيارات محور أزمة فكرية ومنهجية عميقة، ولهذا فإن «النخب الفكرية في واقعنا العربي الإسلامي لا يمكن أن تتوجه إلى الفعل الحضاري إلا بقدر تمسكها بمرجعية عميقة الجذور ومرتبطة بكيانها التاريخي (...) فالمجتمع الإسلامي المعاصر لا يمكن أن ينطلق إلى تأكيد ذاته من خلال مرجعية خارجية مستمدة من تاريخ مغاير، ومن فكر وافد (...) ومن ثم يغدو النهوض من خلال تأكيد الذات هو الخيار الحضاري الوحيد أمام كل البدائل الفكرية التي روج لها سدنة الغرب في واقعنا العربي المعاصر.»

2

ومن هنا برزت جهود البناء والتأصيل للخيار الحضاري العربي الإسلامي، وتجاوز الخيارات الاغترابية والمقارباتية والمقارناتية، وإشاعة المرتكزات المنهجية والفكرية والمعرفية الإسلامية القادرة على الإمساك بالمعضلات الحضارية للأمة، مع الانفتاح والتفاعل الإيجابي مع الخيارات الإنسانية المتاحة في ظل هذه المرتكزات والأصول، ومنهاجية مفاهيمية متحررة من إكراهات الماضي وثقله واستلابية الحاضر وضغطه.

ويمكن التأريخ لهذه الجهود من العمليات والمحاولات التي دشنها كثير من رواد وقادة الفكر العربي والإسلامي، محاولات تؤشر كلها - كما يقول طه جابر العلواني - إلى ضرورة بناء «فقه النقد» الإبستيمولوجي من عمليات التعامل والتفاعل مع الفكر الغربي، ونقد أسسه ومناهجه.

ناپیژندل شوی مخ