Manhaj al-Imam Taj al-Din al-Subki fi Usul al-Fiqh
منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه
ژانرونه
المقدمة
الحمد لله الذي رفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ما دامت الأرض والسماوات.
وبعد:
فإن علم أصول الفقه من أشرف العلوم وأعظمها وأكثرها فائدة ونفعا، فهو العلم الذي جمع بين المعقول والمنقول، وكيف لا يكون أنفعها وهو الذي يضع القواعد والضوابط التي بها يستنبط الفقيه الأحكام، وبها يرتفع العالم من حضيض التقليد إلى علياء الاجتهاد، وقد اهتم علماؤنا المتقدمون بالأصول اهتماما بالغا فأكثروا من التأليف والتدوين فيه، وكانت لهم مدارسهم ومناهجهم المتنوعة، فتنوعت طرائقهم في التأليف.
وإن دراسة مناهج العلماء في تدوين أصول الفقه من أهم المواضيع الجديرة بالبحث والاهتمام لدى الدارسين لعلم أصول الفقه، ذلك أن مثل هذه الدراسات تعطي الباحث فكرة عن جهود علماء الأصول، مما يجعل عند الدارس خلفية عن الآراء الأصولية، فيوظفها في معرفة منشأ الخلاف الفقهي، وكذا في توجيه الآراء توجيهًا سليمًا حسب قواعد أصول الفقه عند أصحاب المذاهب.
ولعل من أبرز العلماء الذين اهتموا بأصول الفقه في القرن الثامن الهجري الإمام تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، حيث كانت له عناية فائقة بتدوين أصول الفقه بشكل لافت للنظر لدى الدارسين لعلم الأصول.
فابن السبكي عالم كبير في مختلف العلوم الفنون، وذلك لكونه قد عاش في بيئةٍ علميةٍ رصينة أثرت في تحصيله العلمي بشكل يدعو إلى الإعجاب، حيث أولى علم الأصول اهتمامًا خاصًا وأكبر دليل على ذلك أنه قد أكثر من التصنيف في علم الأصول، إذ ترك للمكتبة الإسلامية ثمانية كتب في الأصول ما بين مختصر وشرح وتقرير، فكان لزامًا على الدارسين والباحثين أن يتناولوا هذه المؤلفات بالدراسة والتمحيص، للكشف عن شخصية هذا العالم الفذ الذي ترك لنا كل هذه الآثار العلمية الرصينة وقد جاءت هذه الدراسة بهدف التعرف على الجوانب المهمة في حياة ابن السبكي العلمية وكيف أثرت هذه الجوانب في فكر ابن السبكي الأصولي لتبين حقيقة اللجهود التي بذلها التاج السبكي في علم الاصول وتبن المنهج الذي سار عليه في تأليفه لعلم الاصول وذلك من خلال دراسة كتبه في الأصول دراسة استقرائية شاملة من حيث:-
١ - سبب تأليفها.
٢ - منهجه في تأليفها.
٣ - مصادره في التأليف.
٤ - أهمية هذا التأليف.
٥ - بعض النماذج المختارة التي تبين منهجه
1 / 4
إن ابن السبكي له أثر واضح في أصول الفقه من خلال عرضه لمسائله ومناقشته الآراء، والدارس له سيستفيد كثيرًا في فهم وتصور مسائل هذا الفن وغاياته، خاصة وأن ابن السبكي له مجموعة من المؤلفات في أصول الفقه والتي عم نفعها الشرق والغرب فكان لزامًا علينا دراسة هذه المؤلفات وإبراز أهميتها ومنهجها للاستفادة منها في تطوير أصول الفقه والدراسات الأصولية الحديثة.
ولعل من أهم الاهداف التي نسعى ايها من خلال دراسة كتب التراث الضخم لعلماء أمتنا المجيدة، والذي نحن بأمس الحاجة إلى فهمه وتطويره، وبيان الأثر الإيجابي فيه، وإلا ستبقى الفجوة عميقة بين الدراسات الأصولية المعاصرة والدراسات الأصولية المتقدمة والقديمة، ونحن في هذا الوقت بأمس الحاجة إلى دراسات أصولية توسع المدارك وتفتح الأذهان، للوصول إلى عقلية اجتهادية لوضع حد للفوضى الفكرية التي تعيشها أمتنا، وللبحث عن حكم للمسائل العصرية المستجدة، التي لا يمكن الاجتهاد في معرفة أحكامها إلا إذا تمكنا من فهم علم الأصول، للوصول إلى نهضة حضارية شاملة أساسها وقوامها معتمدًا على أصول الفقه.
هذا وليس الهدف من هذه الدراسة هو تناول آراء التاج السبكي بالنقد والتحليل بقدر ما هو محاولة إبراز حقيقة المنهج الذي سار عليه بغض النظر عن موافقته أو مخالفته لغيره، أو قوته وضعفه، ومن هنا فلم يكن لزاما علي عقد المقارنات بين التاج السبكي وبين غيره من العلماء ولا مناقشته للتاج في ما يذهب إليه.
وقد حاولت جهدي في هذه الرسالة أن أتناول الآراء بكل موضوعية، وأن لا تظهر العاطفة تجاه التاج السبكي أو عليه، بل تناولت الآراء بطريقتي الخاصة محاولا إيصال المعلومة بصورة علمية سليمة.
وبعد: فالله العظيم أسأل، أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به قارئه وسامعه، ويجعله في صحيفة أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإن أصبت فبفضل الله ورحمته، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان، ورحم الله من صوب خطأي بالحسنى، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أحمد ابراهيم الحسنات
عمان/ الأردن
١٧ ربيع الأول ١٤٢٣هـ
الموافق ٣٠ أيار ٢٠٠٢ م
1 / 5
الفصل الأول
تاج الدين السبكي
حياته - علومه - مؤلفاته
وفيه المباحث الآتية:
المبحث الأول: عصر الإمام تاج الدين السبكي
المبحث الثاني: اسمه، نسبه، أسرته
المبحث الثالث: نشأته وطلبه للعلم
المبحث الرابع: علومه
المبحث الخامس: آثاره ومصنفاته
المبحث السادس: مكانته العلمية والمناصب التي تولاها
المبحث السابع: عقيدته وتصوفه
المبحث الثامن: مظاهر من شخصيته
المبحث التاسع: وفاته
1 / 6
الفصل الأول
تاج الدين السبكي
حياته - علومه - مؤلفاته
سأتناول في هذا الفصل حياة تاج الدين السبكي منذ ولادته وحتى وفاته، مستعرضا نشأته ... وحياته العلمية، حتى يتبين للقارئ الجوانب الفكرية والشخصية التي أثرت في تكوين شخصية التاج السبكي العلمية ومدى ارتباطها بسلوكه وإنتاجه العلمي، وحتى يتيسر لي ذلك لا بد أولا من إعطاء فكر ة عامة عن العصر الذي عاش فيه التاج السبكي ومعرفة مدى تأثره أو تأثيره به.
المبحث الأول
عصر الإمام تاج الدين السبكي
تُعدُّ الفترة التي عاش فيها التاج السبكي من أهم مراحل الدولة المملوكية الأولى المسماة «بالبحرية»، ذلك أنّ التاج قد عاش في الفترة الواقعة ما بين عامي ٧٢٧هـ و٧٧١هـ، لذا فلا بد أنّ نعطي صورة موجزة توضح لنا ماهية الوضع السياسي والعلمي والاجتماعي في مصر والشام في تلك الفترة، والتي تمثّل في مجملها القرن الثامن الهجري.
المطلب الأول: الحياة السياسية
تمكّن المماليك - بعد سلسلة من المؤامرات التي كانوا يُحِيكُونها ويُدبِّرونها للسلاطين -
من استلام السلطنة في مصر، وذلك بعد مقتل السلطان تورانشاه (١) آخر ملوك بني أيوب سنة ٦٤٨هـ (٢)، ... وكانت بذلك بداية العهد المملوكي الذي استمر نحو قرنين من الزمان (٣).
ولم يكن عهد المماليك بأفضلَ حال من سابقه؛ ذلك أنّ هذا العهد كان يواجهه عددًا من المخاطر على الساحة الخارجية، فالخطر الصليبي ما زال يتهدد العالم الإسلامي، وذلك لوجود بعض القلاع والإمارات الصليبية على سواحل بلاد الشام؛ مما استدعى المماليك أن يأخذوا على عاتقهم عبء استرجاع وتحرير ما تبقى من هذه الإمارات استمرارًا لجهود السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي المتوفى سنة ٥٨٩هـ إثر هزيمته للصليبيين في موقعة حطين الشهيرة سنة ٥٨٣هـ.
_________
(١) هو السلطان الملك المعظم تورانشاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي، آخر ملوك بني أيوب في مصر، توفي مقتولا على يد أمراء المماليك سنة ٦٤٨هـ. انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (٦/ ٣٢٢)
(٢) ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٢١٠)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٤٨هـ ص٣٨٨ - ٣٩٠
(٣) استمر حكم المماليك لمصر والشام منذ عام ٦٤٨هـ وحتى عام ٩٢٣هـ، حكم فيها المماليك البحرية من عام ٦٤٨هـ وحتى عام ٧٨٤هـ، في حين حكم الجراكسة من عام ٧٨٤هـ وحتى عام ٩٢٣هـ. انظر محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (٧/ ٣٥، ٦٩)، طقوش، محمد سهيل، تاريخ المماليك في مصر والشام ص ٣٥، ٣٤١
1 / 7
بالإضافة إلى الخطر الصليبي المتجذر، كان قد ظهر على الساحة خطر لا يقل خطورة - بل هو أشد خطرًا - من الخطر الصليبي، ألا وهو غزو المغول لبلاد الإسلام، إذ بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية على يد هولاكو عام ٦٥٦هـ (١)، وزَحْف المغول باتجاه بلاد الشام واحتلالهم لدمشق عام ٦٥٨هـ (٢)، ومن ثَمَّ محاولة الزحف باتجاه مصر، حيث كان المماليك قد تنبّهوا لذلك، وخرجوا بجيوشهم لملاقاة المغول في موقعة عين جالوت سنة ٦٥٨هـ (٣)، بقيادة السلطان المملوكي المظفر قطز (٤)، حيث حقق الله تعالى النصرَ على يديه، وبذلك استطاع المماليك من وقف الزحف المغولي، ومن ثَمَّ بدأوا باسترجاع المدن والإمارات الإسلامية من بين أيديهم حتى تمَّ تحرير سائر بلاد الشام من أيدي المغول (٥) في عهد السلطان الظاهر بيبرس (٦).
وبعد ذلك التاريخ دانت بلاد الشام كلها لحكم المماليك، ومنذ ذلك الوقت ارتبط تاريخ الشام بتاريخ مصر، بحيث لا يمكن دراسة تاريخ الشام بمعزل عن تاريخ مصر؛ وذلك لقوّة الالتحام بين مصرَ والشام في هذا العصر في مختلف مظاهر الحياة العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ... والثقافية، وإنَّ ما يحدث في مصرَ من حالات ضعف وقوَّة كانت بدورها تَنْعكِس على الشام إيجابًا أو سلبًا.
_________
(١) ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٢٣٥)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٥٦هـ ص ٣٩
(٢) ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٢٥٦)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٥٨هـ ص ٥١
(٣) ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٢٥٨)، الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٥٨هـ ص ٦٠ - ٦١
(٤) هو السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي، صاحب موقعة عين جالوت الشهيرة التي رد فيها التتار، مات مقتولا سنة ٦٥٨هـ، انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (٧/ ٦٧)
(٥) ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٢٦١)
(٦) هو السلطان الملك ركن الدين أبو الفتوح الظاهر بيبرس بن عبد الله البندقداري، كان ملكا شجاعا مقداما غازيا، مات مقتولا بالسم سنة ٦٧٦هـ. النجوم الزاهرة (٧/ ١٥٨)
1 / 8
وأما بالنسبة للخطر الصليبي، فقد استمرت المناوشات بين المماليك والصليبيين وظلَّ المماليك يحقِّقون الانتصار تِلْوَ الانتصار، حتى كان تحقيق أعظمَ انتصار وأهمَّه وذلك بفتح عكا سنة ٦٩٠هـ (١) في عهد السلطان الأشرف بن قلاوون (٢)، وقد كانت تلك الضربة القاضية للصليبيين، إذ لم يَقُم لهم بعد ذلك قائمة، فما تَبقَّى لهم من مدن لم تَلْبَث أن شاركت عكا في مصيرها؛ وبذلك استطاع المماليك إنهاء التواجد الصليبي مُنهِيةً بذلك عهد الصليبيين في الشام (٣).
غير أنّ الصليبيين قد أعادوا الكرَّة، وذلك في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري وأغاروا على الإسكندرية واحتلوها سنة ٧٦٧هـ (٤)، ويصف لنا المؤرخ ابن كثير هذه الموقعة بقوله: «وذلك أنّهم [الفرنج] وصلوا إليها [الإسكندرية]. . . فلم يجدوا بها نائبًا ولا جيشًا ولا حافظًا للبحر ولا ناصرًا، فدخلوها يوم الجمعة بُكْرة النهار بعد ما حرقوا أبوابًا كثيرة منها، وعاثوا في أهلها فسادًا، يقتّلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال» (٥).
واستمرَّ الفرنج ينهبون الإسكندرية حتى وصل السلطان والجيش المصري إليها فهرب الفرنج منها آخذين معهم كثيرًا من الأموال والخيرات والأسرى (٦).
هكذا كان حال الدولة المملوكية في الخارج، دولة قوية مَنِيعَة مُهابَة الجانب استطاعت وَقْف الزحف المغولي، وإخراج بقايا فُلول الصليبيين من بلاد الشام.
أما في الداخل، فقد كان تاريخ المماليك متقلبا كثير الفوضى والاضطراب، حيث كانت الفتن ... والاضطرابات والصراع على السلطة هو المِيزة الرئيسة لعهد المماليك.
_________
(١) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٩٠هـ ص ٤٦، ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٣٦٩)
(٢) هو السلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي، كان ملكا مهيبا عالي الهمة تام الشكل كامل الحسن وافر الكرم، توفي مقتولا سنة ٦٩٣هـ. انظر: ابن حبيب، تذكرة النبيه (١/ ١٦٧)
(٣) الذهبي، تاريخ الإسلام، حوادث سنة ٦٩٠هـ ص ٥٠ - ٥١، ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٣٦٩)، ابن حبيب، تذكرة النبيه في أيام المنصور ... وبنيه (١/ ١٣٧)، ابن العماد، شذرات الذهب (٦/ ٧٦)
(٤) ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٧٤٥)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٢٨٨)
(٥) البداية والنهاية (١٣/ ٧٤٥)
(٦) انظر تفاصيل هذه الحملة وما جرى في تلك الحقبة في: ابن كثير، البداية والنهاية (١٣/ ٧٤٥)، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٢٨٨)، ابن القاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (٣/ ٢٧٠)، السخاوي، وجيز الكلام (١/ ١٤٧)، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١١/ ٢٤)، ابن إياس، بدائع الزهور (١/ ٢٣)
1 / 9
لقد كان عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (١) في ولايته الثالثة ٧٠٩ - ٧٤١هـ (٢) هو آخر عهد بالاستقرار السياسي في دولة المماليك، فبعد وفاته تولى السلطنة ثمانيةٌ من أولاده في السنوات ٧٤١هـ - ٧٦٢هـ، ومن ثَمَّ في العشرين سنة التالية ٧٦٢ - ٧٨٤هـ، تولى السلطنة أربعةٌ من أحفاده (٣)، ومعلوم أنّ هذا العدد من السلاطين دليل على عدم الاستقرار السياسي.
وقد مرّ على هذه الفترة العديدُ من الأحداث الداخلية، إذ تقلَّد حكم مصرَ سلاطين ... أطفال (٤)، لم يبلغوا سن الاحتلام، كانوا يُوَلَّون ويُعْزَلون طبقًا لأهواء أمراء المماليك الذين كان لهم النفوذ الأقوى في ذلك الوقت.
وخير ما يصوِّر ذلك الوضع ما قاله أحد شعراء ذلك العصر (٥):
سلطانُنا اليومَ طفلٌ والأكابرُ في ... خُلْف بينهُم والشيطانُ قد نَزَغا
فكيفَ يَطمَعُ من في نفسْهِ مَظْلمة ... أن يَبْلُغَ في السّؤْلِ والسلطانُ ما بَلَغا؟!
ولم يكن للسلاطين في ذلك الوقت إلا مجرَّد الاسم فقط، وليس لهم من الأمر شيء؛ ذلك لصغر سِنِّهم، وضعف حيلتهم، فكان السلطان آلة في السلطنة والمتصرّف الحقيقي فيها هم الأمراء (٦).
وهكذا ظل حال هؤلاء السلاطين أُلعوبة في أيدي الأمراء، وإذا ما حاول أحدهم التَمرّدَ عليهم أو التخلص من نفوذهم كانوا لا يتوَرّعون عن عزله وقتله أحيانًا، فقد قُتِل أربعةٌ من السلاطين أبناء قلاوون على أيدي أمراء مماليكهم (٧).
وأما بقية السلاطين فقلّما تجد واحدًا منهم ترك الحكم بنتيجة طبيعية كالوفاة مثلًا، بل كانوا يُعزلون ويُولَّون تَبعًا لرغبات وأهواء الأمراء، دون النظر إلى أدنى مصلحة للبلاد أو العباد.
_________
(١) هو السلطان ناصر الدين أبو المعالي محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين أبي المظفر قلاوون الصالحي، كان ملكا جليلا مهيبا ذكيا عارفا بسياسة الملك عالي الهمة، تولى السلطنة ثلاث مرات وكانت مدته فيهن ثلاثًا وأربعين سنة وشهورًا، توفي سنة ٧٤١هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٢/ ٣٢٦)
(٢) ابن حبيب، تذكرة النبيه (٢/ ٢١)
(٣) محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (٧/ ٣٨)
(٤) ومن هؤلاء السلاطين الملك الأشرف علاء الدين كجك بن السلطان محمد بن قلاوون وقد تولى السلطنة وعمره لم يتجاوز الخمس سنوات سنة ٧٤٢هـ، والملك الناصر حسن بن السلطان محمد بن قلاوون تولى السلطنة سنة ٧٥٢هـ ولم يتجاوز عمره ١١ سنة، والملك المنصور محمد حاجي حيث تولى السلطنة سنة ٧٦٢هـ وكان عمره حينئذ ١٤ سنة.
(٥) أورد هذه الأبيات ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (١١/ ٢٠) ولم ينسبها لأحد
(٦) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١٠/ ٢٠، ٤٠)
(٧) وهم:
- ... السلطان الكامل شعبان حيث قتل سنة ٧٤٧هـ بعد أن حكم سنة وشهر وثمانية وعشرين يومًا
- ... السلطان الملك المظفر حاجي حيث قتل سنة ٧٤٨هـ بعد أن حكم سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يومًا
- ... السلطان الناصر حسن، قتل في ولايته الثانية سنة٧٦٢هـ على يد أحد خواصه وأمرائه الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي، بعد أن حكم ست سنوات وسبعة أشهر وسبعة أيام
- ... السلطان الأشرف شعبان بن حسن، قتل سنة ٧٧٨هـ بعد أن حكم ست سنوات
1 / 10
ولم يقف الحدُّ عند تآمر الأمراء على سلاطينهم، بل وجدتُ أنّ أبناء قلاوون أنفسهم يتآمرون على بعضهم ويَقتُل بعضهم بعضًا، فقد وجدت الملك الصالح إسماعيل (١) يأمر بحصار أخيه أحمد (٢) في قلعة الكرك ورميه بالمنجنيق، وذلك خَشيةً من محاولته العودة إلى السلطنة، حيث وقعت عدّة معارك بين العسكر المصري وبين أهل الكرك، وفيها قُتِل عدد كبير من الطرفين، واستمر حصار الكرك مدة سنتين انتهت بدخول الكرك ومن ثَمّ قلعتها حيث قُبِض على السلطان أحمد وقُتِل وحُمِل رأسه إلى أخيه الملك الصالح فقابله بأشدّ الفرح ولا حول ولا قوّة إلا بالله (٣).
ولم يكن حال السلاطين أنفسهم بأفضل من مماليكهم، فقد عمَّ الفسق والفجور والظلم عند هؤلاء السلاطين، وفشى فيهم معاقرة الخمور وغشيان المنكرات وأكل أموال الناس بالباطل، حتى قال ابن شهبة في وصف خلاعة ومجون السلاطين وخاصة الملك المنصور سيف الدين أبو بكر (٤) أنّه كان يتعاطى شرب الخمر: «وغشيان المنكرات وتفريق الأموال على أهل الطرب، والتعاطي بما لا يليق به، ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم» (٥).
هكذا كان حال هؤلاء السلاطين، وحَريٌّ بأمّة هكذا سلاطينها أن يذيقها الله تعالى وَبالَ أمرها، وما الفتن الداخلية والاضطرابات الكثيرة وعزل السلاطين ومقتلهم إلا نكالًا من الله تعالى بهم لفسقهم وتعدِّيهم على حرمات الله (٦).
_________
(١) هو السلطان الصالح عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان ملكا جليلا مهيبا عفيفا مزيلا للمظالم التي يصل أمرها إليه محبا للإعمار، متمسكا بالأحكام الشرعية، توفي سنة ٧٤٦هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٧٩)
(٢) هو السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان ملكا مهيبا شجاعا سخيا حسن المنظر، حكم مدة ثم اعتزل في قلعة الكرك وبقي فيها إلى أن قبض عليه وقتل سنة ٧٤٥هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٦٥)
(٣) انظر تفاصيل هذه الحملة في: ابن كثير، البداية والنهاية (١٤/ ٦٢٨، ٦٣٠، ٦٣٢ - ٦٣٧)، ابن شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (٢/ ٣٠٤، ٣٠٧، ٤٠٩)، السخاوي، وجيز الكلام (١/ ٦٥)
(٤) هو الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن السلطان محمد بن قلاوون، كان شاب أسمر حلو الصورة سخيًا إلى الغاية، خلع على يد خواص أمرائه ثم قتلوه سنة ٧٤٢هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٢٤)
(٥) ابن شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (٢/ ٢٠٤)
(٦) هذه هي حالهم إلا أنهم لم يكونوا يعادون الإسلام ولا العلماء ولا الدعاة بل وجدناهم إذا هدد العالم الإسلامي خطر كانوا يكونون على رأس المدافعين عنه، ومع فسقهم وتعديهم على حرمات الله إلا أنهم كانوا يمتازون بالنخوة ولا يسكتون على ظلم أو عدوان يقع على شعوبهم فافهم ذلك
1 / 11
كل هذه الأمور مُجتَمعةً والمتمثّلة بضعف السلاطين، وتنافسهم على العرش، وإغراق بعضهم في المجون وانغماسهم في التَّرف، إضافة إلى ازدياد نفوذ أمراء المماليك، كل هذه العوامل أدت إلى انحلال أسرة قلاوون، وإنهاء حكم بني قلاوون الذي استمر حوالي ١٠٦ سنوات من سنة ٦٧٨ - ٧٨٤هـ، وبنهاية أسرة قلاوون ينتهي عهد المماليك البحرية ويبدأ عهد المماليك الجراكسة [البرجية] سنة ٧٨٤هـ (١).
هذه هي الأحوال العامّة في مصر، أما في الشام والتي عاش فيها التاج السبكي جُلّ حياته، فلم يكن الحال فيها بأحسن من حال مصر الأم، حيث كانت الشام تابعة للسلطنة في مصر في مختلف نواحي الحياة، ورَغمَ تبعية الشام المحضة لمركز السلطنة إلا أنّه وُجِدت بعض محاولات الانفصال عن مصر، غير أنّ التقسيم الإداري لبلاد الشام بحيث تكون كل نيابة شبه مستقلة، والسلطان يختار من يملأ المناصب الكبرى، ومن ثم حاجة الشام إلى العسكر المصري ضد الأخطار الخارجية حال دون نجاح أية حركة انفصالية رغم كثرة ثورات المماليك هناك (٢).
إلا أنّ هناك مِيزة لأهل الشام تَميَّزوا بها عن أهل مصر ذلك أنّ أهل الشام كانوا أسرع إلى مواجهة أوامر الدولة بالإنكار من أهل مصر، وكانوا يتعلقون بكل سبب لإظهار عدم رضاهم عن بعض تصرفات الموظفين والمباشرين (٣).
يمكن تلخيص الملامح العامّة للوضع السياسي في مصر والشام في القرن الثامن الهجري بما يأتي (٤):
١ - صغر سن السلاطين الذين تعاقبوا على الحكم.
٢ - ازدياد نفوذ الأمراء واشتداد سطوتهم وتَحَكُّمهم في مصالح البلاد وتلاعبهم بالسلاطين، بالتعيين والعزل والقتل وفقًا لأهوائهم.
٣ - ازدياد نفوذ طائفة المماليك الجراكسة [البرجية] ازديادًا مضطردًا، فاستطاع أفرادها كسب الجولة الأخيرة من الصراع، وأسسوا دولة مملوكية ثانية على أنقاض الدولة المملوكية الأولى.
٤ - اشتداد الانحلال الخلقي بشكل واضح، وكان السلاطين والأمراء هم مصدر هذا البلاء، فاشتهروا بالإدمان على الخمور ومعاشرة الجواري والخاصكية والمغنيات.
_________
(١) محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (٧/ ٣٨)، سرور، دولة بني قلاوون في مصر ص ٥٥ - ٦٦، علي حسن، تاريخ المماليك البحرية ص ١٣٥
(٢) إحسان عباس، تاريخ بلاد الشام ص ٧٦، وانظر بعض محاولات الانفصال عن مصر في: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١٠/ ١٨٣)، ... (١١/ ٤)
(٣) إحسان عباس ص ٨٠
(٤) طقوش، تاريخ المماليك ص ٣٠٠
1 / 12
موقف التاج السبكي من الوضع السياسي
لم يكن التاج السبكي رجلًا منعزلًا عن أمّته، بل كان - رحمه الله تعالى - قريبًا جدًا منها، يلتمس همومها ويتأثر بما تتأثر به الأمّة، ولم يكن - رحمه الله تعالى - تأخذه في الله لومة لائم؛ لذا فقد وجدته كثير الانتقاد لأحوال الدولة السياسية العامّة، وكانت له مواقف كثيرة في هذا المجال لا يَقِفها إلا أمثاله من العلماء المخلصين الذين لا يداهنون في دين الله أحدًا، ومن هنا جاء انتقاد التاج السبكي للسياسة التي اتبعها المماليك في ذلك العصر، واعتبر أنّ سياستهم لا تنفع أحدًا، بل مَضرّتها أكثر من نَفْعِها، وأنّه لا بد من رفع الأمور إلى الشرع، فهو يقول في ذلك مُبيّنا ما على الحاجب من أمور: «عليه رفع الأمور إلى الشرع، وأن يعتقد أنّ السياسة لا تنفع شيئا (١)، بل تَضرّ البلاد والرعايا، وتُوجبُ الهَرَج (٢) والمَرَج (٣)، ومصلحةُ الخلق فيما شرعه الخالق الذي هو أعلم بمصالحهم ومفاسدهم، وشريعةُ نبيّنا محمد ﷺ متكفّلةٌ بجميع مصالح الخلق في معاشهم ومعادهم، ولا يأتي الفسادُ إلا من الخروج عنها، ومن لَزِمَها صَلُحَتْ أيامه واطمأنت».
ثم بيّن أنّه ما من سلطان ولا حاجب ولا صاحبُ شرطة يُعْمِلُ حُكمَ الله تعالى، ويُلقِي الأمور إلى الشرع إلا اطمأنت نفسه ونجا من المصائب والمحن، وكانت أيامه أصلح وأقل مفاسد. . . وقال: ... «وكذلك اعتبرت فلم أرَ ولم أجد من يظن أنّه يُصْلح الدنيا بعقله، ويُدَبّر البلاد برأيه وسياسته، ... ويَتعدّى حدود الله تعالى وزواجره، إلا وكانت عاقبتُهُ وخيمةً وأيامُه منغصةً منكدة، وعيشُه قلقًا، ... وتُفتح عليه أبواب الشرور، ويتسع الخرق على الراقع، فلا يَسدُّ ثُلمة (٤) إلا وتُفتَح ثُلمات، ولا تُرفَع فتنة إلا وينشأ بعدها فتن كثيرة» (٥).
_________
(١) قلت لم يقصد التاج السبكي بذاك مطلق السياسة بل قصده السياسة الظالمة القائمة على أساس العقل بعيدا عن الشرع، والتي تعتبر العقل أساس المصالح والمفاسد وإن خالفها الشرع في ذلك، وأما السياسة الشرعية القائمة على أن الحاكمية لله تعالى وأن لا مشرع إلا الله وحده فلا يقصدها التاج السبكي، كيف والنظام السياسي في الإسلام من أهم الأنظمة التي تقوم عليها الدولة في الإسلام
(٢) هرج الناس إذا وقعوا في فتنة واختلاط وقتل، طاهر الزاوي، ترتيب القاموس المحيط (٤/ ٤٤٨) مادة هرج
(٣) أي الفساد والقلق والاختلاط، المصدر السابق (٤/ ١٩٨) مادة مرج
(٤) أي فرجة المكسور والمهدوم، طاهر الزاوي، ترتيب القاموس المحيط (١/ ٣٩٤) مادة ثلم
(٥) التاج السبكي، معيد النعم ص ٤١
1 / 13
هذا هو موقف التاج السبكي من السياسة، وهذا رأيه فيها، ومع ذلك فلم يكن بعيدًا عنها، وقد وجدته كثيرًا ما ينتقد تصرفات الحكام والسلاطين، فمن ذلك ما دَوّنه في كتابه العظيم «معيد النعم» حيث قال مُوجّهًا خطابه إلى الخلفاء والسلاطين وولاة الأمور: «إذا ولاك الله تعالى أمرًا على الخلق فعليك البحثُ عن الرعية، والعدلُ بينهم في القضية، والحكمُ فيهم بالسوية، ومُجانَبة الهوى والميل، وعدمُ سماع بعضهم في بعض، إلا أن يأتيَ بحجة مبيّنة، وعدمُ الركون إلى الأسبق، فإن وجدت نفسك تُصغي إلى الأسبق وتميل إلى صدقه؛ فاعلم أنّك ظالم للخلق، وأنّ قلبك إلى الآن متقلّب مع الأغراض، يُميلُه الهوى كيف شاء [إلى أن قال]: وقد اعتبرتُ كثيرًا من الأتراك فوجدتهم يميلون إلى أول شاك، وما ذاك إلا للغفلة المستولية على قلوبهم التي صيّرت قلوبهم كالأرض الترابية التي لم تُروَ بالماء» (١).
وقال مبيّنًا للسلاطين حقيقة أمرهم وحقيقة الخلافة: «وأن تعرف أنّك أنت والرعية سواء لم تَتَميّز عنهم بنفسك، بل بفعل الله تعالى الذي لو شاء لأعطاهم ومنعك، فإذا كان قد أعطاك الولاية عليهم ومنعهم فما ينبغي أن تتمرّدَ وتستعين بنعمته على معصيته وأذاهم، بل لا أقَلّ من أن تتجنّبَ أذاهم وتكُفَّ عنهم شَرَّك، وتُجانبَ الهوى والميلَ والغَرَض، فنعمة الولاية لا تتطلب منك غير ذلك» (٢).
وقال أيضًا مبيّنًا ما على السلطان من وظائف: «فمن وظائف السلطان تجنيد الجنود، وإقامة فرض الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، فإنّ الله تعالى لم يُوَلّه على المسلمين ليكون رئيسًا آكلًا شاربًا مستريحًا، بل لينصُرَ الدين وُيعلي الكلمة، فمن حقه ألا يدعَ الكفار يكفرون أَنعُم الله، ولا يؤمنون بالله ولا برسوله، فإذا رأينا ملكًا تقاعد عن هذا الأمر، وأخذ يظلم المسلمين، ويأكل أموالهم بغير حق ثم سلبه الله نعمته وجاء يعتب الزمان، ويشكو الدهر أفليس هو الظالم، وقد كان يمكنه بَدَل أَخْذ أموال المسلمين وظلمهم أن يُقيمَ جماعةً في البحر يتلصّصون أهل الحرب؟! فإن كان هذا الملك شجاعًا ناهضًا فَلْيُرِنا همته في أعداء الله الكفار، ويجاهدهم ويتلصّصهم، ويُعملَ الحيلة في أخذ أموالهم حِلًا وبِلًا (٣) ويدعَ عنه أذية المسلمين» (٤).
يالها من كلمات قاسية الوقع عظيمة الأثر، لا يفوه بها إلا من كان يتمتع بصفات عالية من الجرأة والشجاعة التي لا يتصف بها إلا من كان من أمثال التاج السبكي (٥).
_________
(١) التاج السبكي، معيد النعم ص ١٣
(٢) التاج السبكي، معيد النعم ص ١٤
(٣) أي مباحا، الرازي، مختار الصحاح ص ٢٦ مادة بلل
(٤) التاج السبكي، معيد النعم ص ١٧
(٥) انظر المزيد من هذه المواقف في أمر التاج السبكي بالمعروف ونهيه عن المنكر ص ٥٤ من هذه الرسالة
1 / 14
المطلب الثاني: الحياة الاجتماعية
إنّ الحياة الاجتماعية في أي بلد إنّما هي الانعكاس الحقيقي، والتمثيل العملي للوضع السياسي في ذلك البلد، إذ كلما كانت الحياة السياسية طبيعية ومستقرة كانت الحياة الاجتماعية مستقرة مزدهرة والناس في رَغَدٍ وهناء، وكلما اضطربت الحياة السياسية تَبِع ذلك اضطراب في الحياة الاجتماعية؛ فتسود الفوضى، ويَعم الظلم والجور والانحلال والفساد، إذ أنّ قوّة البلد سياسيًا تستلزم قوّة المجتمع وترابط أفراده واستقرار نظامِهِ، وكلما كانت البلد ضعيفة سياسيًا انعكس ذلك سلبيًا على الحياة الاجتماعية في ذلك البلد.
وقد كان الوضع السياسي في القرن الثامن الهجري في مصر والشام وضعًا كثير الاضطراب والانقلاب؛ مما يعني ضعف المجتمع وضعف الحياة الاجتماعية في مصر والشام في تلك الفترة.
لقد كان المجتمع المملوكي في تلك الفترة مجتمعًا طبقيًا تَميَّز بكَثْرَة طبقاته، إذ أنّ طبيعةَ حكم المماليك الأغراب عن تلك البلاد، وانعزالهم عن أهل البلاد وعن انخراطهم في سلكهم، أدى إلى ظهور طبقة مُتمَيّزة في المجتمع، تمتلكُ زِمامَ الحكم فيه وهي طبقة المماليك أصحاب السيادة والنفوذ (١).
بناءً على ذلك يمكن تقسيم المجتمع المملوكي في تلك الفترة إلى الطبقات الآتية (٢):
الطبقة الأولى: أهلُ الدولة من السلاطين والمماليك، وهؤلاء كانوا يعيشون حياة الترف واللهو، ... وكَثُرت الأموال في أيديهم، مما جعلهم طبقة مُتَميّزة منعزلة عن بقية الشعب (٣).
الطبقة الثانية: أهلُ اليَسار من التجار وأولي النِّعمة من ذوي الرفاهة، وكان هؤلاء من المقرّبين إلى السلاطين، ذلك أنّ السلاطين كانوا قد أحسّوا أنّ هذه الطبقة هي المصدر الأساسي الذي يَمُدُّ الدولة بالمال لا سيّما في ساعات الحرج والشدة (٤).
الطبقة الثالثة: المُعَمّمون، وهم أَرباب الوظائف الديوانية والفقهاء والعلماء والأدباء والكُتّاب، وهؤلاء كانوا موضعَ احترامٍ وتقدير من السلاطين؛ ذلك أنّ المماليك كانوا يَرغبون بالعلماء والفقهاء لأنّهم قوّةٌ لها وزنُها في اكتساب الرأي العام في البلاد، وبذلك يكون لهم دِعامة قوية يستندون إليها في حكمهم، ويستعينون بها على إرضاء عامّة الشعب (٥).
الطبقة الرابعة: طبقة الصناع والعمال وأصحاب المهن والأُجَراء، وهم ما يطلق عليهم بالاصطلاح المعاصر بطبقة (العامّة)، وهؤلاء كالعادة كانوا يعيشون حياة البؤس والفقر بالنسبة لطبقة المماليك وغيرهم من المُنَعّمين؛ لذا كانوا كثيرًا ما يلجئون إلى السلب والنهب والتسول للحصول على ما يسد رَمَقَهُم في أوقات الفتن والاضطرابات (٦).
_________
(١) عاشور، سعيد عبد الفتاح، المجتمع المصري، ص٢٤، مصر في عصر دولة المماليك ص ١٧٥.
(٢) انظر: المقريزي، إغاثة الأمة بكشف الغمة ص٩٨. عاشور، المجتمع المصري، ص١١.
(٣) عاشور، المجتمع المصري، ص١٩.
(٤) عاشور، المجتمع المصري، ص٣٤.
(٥) عاشور، المجتمع المصري، ص٢٩.
(٦) عاشور، المجتمع المصري، ص٣٨.
1 / 15
الطبقة الخامسة: الفلاحين وهم أهل الزراعات والحرث سكان القرى والريف (١) الذين يمثّلون السَّواد الأعظم من السكان، وهؤلاء لم يكن لهم نصيب في هذا العصر سوى الإهمال والاحتقار حتى أصبح لفظ فلاح في ذلك العصر مرادفًا للشخص المُستضعف المغلوب على أمره، وزاد من سوء حالهم كَثْرَة المغارم والمظالم التي حلّت بهم من الولاة والحكام (٢).
الطبقة السادسة: ذوي الحاجة والمسكنة، وهم الذين يتكفَّفون الناس ويعيشون منهم، وهؤلاء كما يقول المقريزي: «فَنِي معظمهم جوعًا وبردًا ولم يَبقَ منهم إلا أقلَّ من القليل.» (٣)
هذه هي تركيبة المجتمع في ذلك العصر، والملاحظ عليها أنّ أكثَرَ هذه الطبقات كانت تعيش حياة البؤس والظلم والفقر، ولم يقف الحد عند ذلك فحسب، بل وجدتُ أنّ هذه الفترة التاريخية قد ابْتُلِيَت بالعديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة، فيَذْكُر المُؤَرّخون أنّ الأَوبئة كانت تجتاح أكثَرَ المدن ... والإمارات المملوكية، ولكنّ أخطر هذه الأوبئة والأمراض والتي أودت بحياة الآلاف من الناس ... والحيوانات، ثلاثة أوبئة اجتاحت الأمّة في تلك الفترة وهي:-
٠١ وباء سنة ٧٤٨هـ (٤): اجتاح هذا الوباء والذي ابتدأ في أواخر سنة ٧٤٨هـ بلاد المسلمين قاطبة بما فيها مصر والشام، بل إنّ المؤرخين يَذْكُرون أنّ هذا الوباء قد عم الأرض كلها، وكان يَحصُدُ الآلاف من النفوس، واستمر هذا الوباء نحو سنتين حتى عام ٧٥٠هـ، وفَنِيَ فيه من الناس نحو ثلثيهم تقريبًا (٥).
٠٢ وباء سنة ٧٦١هـ (٦): وقع هذا الوباء سنة ٧٦١هـ، واستمر إلى أوائل سنة ٧٦٢هـ، ومات فيه جماعة كثيرة من الأعيان، وقد سماه المؤرخون «الوباء الوَسَطيّ»، لكونه وقع بين وباءين.
٠٣ وباء سنة ٧٦٩ هـ (٧): وقع هذا الوباء في القاهرة والديار المصرية واستمر أربعة شهور، انحصر بعدها بعد أن خلف عددا كبيرا من الموتى.
_________
(١) المقريزي، إغاثة الأمة، ص٩٨.
(٢) عاشور، مصر في عصر المماليك، ص١٦٢.
(٣) المقريزي، إغاثة الأمة ص ١٠٢
(٤) انظر تفاصيل هذا الوباء في: ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ١١٠ – ١١٣)، الحسيني، ذيل العبر (٤/ ١٤٩). ابن كثير، البداية والنهاية، (١٤/ ٦٥٠ – ٦٥٤). المقريزي، السلوك (٤/ ٧٨ – ٩٣)، ابن قاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (٢/ ٥٤١ – ٥٥٢). ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١٠/ ١٥٥ – ١٦٨)، وجميع كتب التاريخ التي أرخت لتلك الفترة تذكر هذا الوباء ويسميه المؤرخون " الفناء العظيم "؛ وذلك لكثرة ما أفنى من البشر والحيوانات والأسماك.
(٥) ابن حبيب، المرجع السابق، (٣/ ١١١).
(٦) انظر عن هذا الوباء في: ابن كثير، البداية والنهاية، (١٤/ ٧٠٤)، ابن قاضي شهبة، تاريخ ابن قاضي شهبة (٣/ ١٦٤). ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، (١٠/ ٢٤٣).
(٧) انظر تفاصيل هذا الوباء في: ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٣١٢)، المقريزي، السلوك (٤/ ٣١٩)، ابن إياس، بدائع الزهور (١ قسم ٢/ ٦٥ – ٦٦)، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١٠/ ٤٢).
1 / 16
ولم يقف الأمر عند الأمراض والأوبئة الفتاكة فحسب، بل فشت في أهل ذلك العصر العديد من الأمراض الاجتماعية والمتمثلة باشتداد الانحلال الخلقي الذي عم الكثير من طبقات ذلك المجتمع، وخاصة طبقة السلاطين، وأهل الدولة، فانتشر فيهم الزنا والبغاء وشرب الخمور والمخدرات التي كانت تفتك بالمجتمع ذلك العصر (١)
وكان السلاطين كلما دَاهمَ البلاد وَباءٌ لجؤوا إلى الله تعالى، وحاربوا تلك المنكرات، وأغلقوا بيوت الخواطيء وحانات الخمر (٢)، حتى يفرج الله تعالى عنهم؛ فإذا رفع الله تعالى البلاء عادوا إلى ما كانوا عليه سابقا ً، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.
إلا أنّه وفي ظل هذا الوضع السيء لا بُدّ أن نُسَجّل بعض الملاحظات الهامّة عليه:
الأولى: الاهتمام بالعلم والعلماء، وانتشار العلم الذي أنتج العديد من العلماء الذين كان لهم دور بارز في ذلك العصر (٣)، كما سيأتي بيانه في المبحث الثاني.
الثانية: انتشار التصوف بشكل كبير ملحوظ في ذلك العصر، حتى غدا التصوف سِمة بارزة للحياة في مصر والشام في ذلك الوقت (٤).
هذه حال المجتمع في ذلك العصر، مجتمع غريب التكوين، يجمع بين طياته عددًا من المتناقضات؛ فهو مجتمع كَثُر فيه الانحلال الخلقي والاجتماعي، وبالمقابل كَثُر فيه العلم والعلماء، وانتشر فيه الزهد المتمثّل بالحركة الصوفية؛ مما أعطى له أهمية كبيرة في تاريخ العالم الإسلامي، ولولا وجود هذا الكم الهائل من العلماء وانتشار العلم مع التصوف لما كان لهذا العصر أيُّ مِيزة يُحمد عليها.
موقف الإمام تاج الدين السبكي من الوضع الاجتماعي في عصره:
ذَكَرتُ سابقا (٥) أنّ الإمام تاج الدين السبكي لم يكن قَطُّ منعزلًا عن أمته؛ بل كان قريبًا جدًا منها، يتلمّسُ نواحيَ الضعف فيها، فيشخّصُ الداء، ويصفُ له أنجع دواء.
_________
(١) انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (٩/ ٣٩، ١١٢)، الذهبي، العبر (٤/ ٥٦)، ابن شهبة، تاريخ ابن شهبة (٢/ ٢٠٤)، عاشور، المجتمع المصري ص ٢٢٩ - ٢٣٣
(٢) مثل ما فعله السلطان محمد بن قلاوون، حيث أبطل العديد من هذه المنكرات في فترة حكمه، وكذلك كان يفعل بقية السلاطين إبان الأزمات، انظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (٩/ ٣٩). السيوطي، حسن المحاضرة، (٢/ ٢٥٩).
(٣) انظر: سليم، عصر سلاطين المماليك، (٣/ ١٦). عباس، تاريخ بلاد الشام ص١٦١ - ١٦٢. عاشور، المجتمع المصري ص١٤١.
قلت: وانظر للمزيد من المعلومات عن علماء ذلك العصر كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني المعنون بـ " الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة " فقد استوعب فيه ذكر علماء ذلك العصر فأجاد وأفاد.
(٤) عباس، تاريخ بلاد الشام ص١٤٨ - ١٤٩. عاشور، مصر في عصر سلاطين المماليك ص١٨٦.
(٥) صفحة ٧ من هذه الرسالة
1 / 17
ومر معنا كيف وصلت الحال بالمجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، ومن هنا فقد كان الإمام تاج الدين السبكي صاحبُ دعوةٍ إصلاحيةٍ للمجتمع، فهو لم يرضَ أبدًا عن حال الأمّة في ذك الوقت، ذلك أنّ التاج السبكي وكما وصفه الأستاذ محمد صادق حسين: «من أولئكم الرجال ذوي الشخصيات الضخمة والنفوس القوية والأخلاق المتينة، أولئكم الذين يَسمُون بأنفسهم فوق منافعهم الخاصة، ويأبون - وإن تهيأت لهم كل أسباب الراحة - أن يصبروا على فساد بيئة أو طغيان قوّة أو موت حق وقيام باطل، فلم يكن من أولئكم الأنذال أشباه الرجال الذين يرحّبون بالفساد يستغلّونه لمآربهم ... ويُسَخّرونه لمنافعهم» (١).
هكذا كان تاج الدين السبكي، ومن هنا جاء تأليفه لكتابٍ يُعدّ من أعظم ما أُلِّف في بابه ألا وهو كتابه «معيد النعم ومبيد النقم» (٢)، هذا الكتاب الذي حاول فيه التاج السبكي الدعوة إلى إصلاح المجتمع الإسلامي من أعلى طبقة فيه ألا وهو السلطان إلى أدنى طبقاته المتمثّلة بالشحاذين، فقد بيّن التاج في هذا الكتاب ما يجب على كل أحد من أفراد الأمّة - حكامًا كانوا أو محكومين - أن يفعله، وما يجب عليه أن يَجتَنبه، وبيّن الكثير من نواحي الضعف في هذه الأمّة مبيّنًا سببها، وواصفًا لها علاجًا ناجعًا يقوم على أساس شكر النعمة، وقيام كُلٍّ بما يجب عليه (٣).
وبهذه التوجيهات التي ضمنها التاج السبكي كتابه «معيد النعم» يعدّ التاج مصلحًا اجتماعيًا ومربيًا فاضلًا قلّما تجد له نظيرًا، وبذلك عدّه الأستاذ محمد الصادق مصلحًا لم تعرف مصر من أبنائها آخر من طرازه حتى ظهر الشيخ محمد عبده (٤).
قلت: وليس الأمر مقتصرًا على مصر وحدها، بل توجيهات تاج الدين السبكي ودعوته الإصلاحية شاملة كل أنحاء البلاد الإسلامية، وأكثَرُها ينطبق على حال أمتنا اليوم، فلو أنّ علماءنا اتّخذوا من توجيهات التاج السبكي التربوية منهاجًا وساروا عليها ودعوا الناس إليها لانقلب حالنا إلى أحسن حال، وأصبحنا أمّة قوية منيعة مهابة الجانب بدلًا من الضعف والذل والخنوع الذي نعيشه اليوم صباح مساء (٥).
_________
(١) محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص ١٤
(٢) طبع هذا الكتاب عدة طبعات منها طبعة بتحقيق محمد علي النجار وآخرون، وإني لأنصح كل واحد أن يقتني هذا الكتاب ويقرأه جيدا فإن فيه الكثير من التوجيهات التربوية التي نحن في أمس الحاجة إليها
(٣) أنظر أمثلة على ذلك في المبحث التاسع مظاهر من شخصية التاج السبكي من هذه الرسالة
(٤) محمد حسين، البيت السبكي ص ١٣
(٥) قلت: قام الأستاذ عبد الرحمن النحلاوي بعمل دراسة عن المبادئ الإصلاحية عند التاج السبكي سماها «الإصلاح التربوي والاجتماعي والسياسي من خلال المبادئ والاتجاهات التربوية عند التاج السبكي» بين فيها قيمة هذه التوجيهات وأهميتها في عملية الإصلاح التربوي والاجتماعي، مبينا في الوقت ذاته قيمة التاج السبكي من حيث كونه مصلحا اجتماعيا وتربويا.
1 / 18
المطلب الثالث: الحياة العلمية
لا غرابة ولا عجب إذا ما قلت أنّ القرن الثامن الهجري أو بالأحرى عصر المماليك، كان من أزهى العصور علميًا وثقافيًا بعد القرن الثالث الهجري؛ ذلك أنّ هذا العصر قد امتاز بكَثرَة العلماء الذين أنتجتهم الأمّة في ذلك الوقت، تاركين للأجيال القادمة تراثًا ضخمًا في شتى فنون المعرفة.
ولم يكن سلاطين المماليك بمعزل عن هذا النشاط العلمي، فما كان لهذا النشاط الثقافي أن يزدهر لولا تشجيع المماليك للعلم وترحيبهم بالعلماء، لذا فقد أَكثَرَ المماليك من بناء المدارس
والجوامع والرُّبَط (١) والخانقاوات (٢) لتكون قبلة للعلماء وطلاب العلم ينهلون منها العلم في شتى ميادين المعرفة (٣).
ولعلَّ من أهم المدارس التي أنشئت في زمن المماليك وكان لها دور بارز في هذا التقدم العلمي المشهود:-
٠١ المدرسة الظاهرية (٤): وهي المدرسة التي أنشأها السلطان الظاهر بيبرس سنة ٦٦٢هـ، وفيها خِزانَةُ كُتُبٍ تشتمل على أمهات الكتب في سائر العلوم، وكان يُدَرّس فيها الفقه الحنفي والشافعي والحديث والقراءات.
٠٢ المدرسة المنصورية (٥): أنشأها السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي (٦)، ورتّبَ فيها درسًا لطوائف الفقهاء الأربعة، ودرسًا للطّب، ودرسًا للحديث وآخر للتفسير.
٠٣ المدرسة الناصرية (٧): ابتدأ بناءها العادل كتبغا (٨)، وأتمها الناصر محمد بن قلاوون، وإليه نُسبت، فُرِغَ من بنائها سنة ٧٠٣هـ، ورُتّب فيها درسًا للمذاهب الأربعة.
٠٤ المدرسة الحجازية (٩): أنشأتها الست الجليلة خوندتتر الحجازية، بنت السلطان محمد بن قلاوون وزوجة بكتمر الحجازي وإليه تُنسب، وقد رَتَّبتْ فيها درسًا للفقهاء المالكية وآخر للشافعية، وجعلت فيها خزانة لأمهات الكتب.
_________
(١) جمع رباط وهو دار يسكنها أهل طريق الله من الصوفية. أنظر المقريزي، المواعظ والاعتبار (٤/ ٣٠٢)
(٢) جمع خانقاه وهي كلمة فارسية معناها بيت وأصلها خونقاه أي الموضع الذي يأكل فيه الملك وهي أماكن للصوفية للتخلي فيها لعبادة الله. المصدر السابق (٤/ ٢٨٠)
(٣) سعيد عاشور، المجتمع المصري ص ١٤١، مصر في عصر دولة المماليك ص ١٨٥
(٤) المقريزي، المواعظ والاعتبار (٤/ ٢٢٥)، السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٢٨)
(٥) المقريزي، المواعظ والاعتبار (٤/ ٢٢٦)، السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٢٩)
(٦) هو السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي كان ملك مهيبا حليما قليل سفك الدماء كثير العفو، توفي سنة ٦٨٩هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (١/ ١٣٥)
(٧) المقريزي، المواعظ والاعتبار (٤/ ٢٢٩)، السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٢٩)
(٨) هو الأمير زين الدين كتبغا المنصوري، تسلم الملك مدة يسيرة ولقب بالعادل ثم خلع وتقلبت به الأحوال حتى أصبح نائب السلطنة في حماة، كان من أكابر الدولة وفيه شجاعة وخيرة وحسن خلق، توفي سنة ٧٠٢هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (١/ ٢٥٤)
(٩) المقريزي، المواعظ والاعتبار (٤/ ٢٣٠)
1 / 19
٠٥ مدرسة السلطان حسن بن الناصر محمد (١): شرع في إنشائها سنة ٧٥٨هـ، وهي من أعظم المدارس في ذلك العصر بناءً، وأحسنها هندامًا، وفيها أربع مدارس للمذاهب الأربعة.
هذه أهم المدارس في ذلك الوقت، غير أنّه كانت هناك العديد من المدارس قد انتشرت في طول البلاد وعرضها، مثل: الخانقاه البيبرسية (٢)، وخانقاه قوصون (٣)، وخانقاه شيخو (٤)، ومدرسة صرغتمش (٥)
والمدرسة الظاهرية الجوانية بدمشق (٦)، والمدرسة القيمرية (٧)، والمدرسة الناصرية الجوانية (٨)، وغيرها الكثير.
هذا بالإضافة إلى المدارس التي كانت منتشرة من قبل إبان عهد الدولة الأيوبية، والتي اهتمت اهتمامًا بالغًا بإنشاء المدارس (٩).
وكان من نتاج هذه النهضة العلمية أن ظهر العديد من العلماء في مختلف العلوم والفنون، حيث كان لهم أثر بارز في مسيرة العلم ونشر الثقافة العربية والإسلامية، ومن هؤلاء العلماء على سبيل المثال (١٠):
٠١ ابن الرفعة: الإمام شيخ الإسلام، نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن الرفعة المتوفى سنة ٧١٠هـ إمام الشافعية في زمانه، قال عنه التاج السبكي: «أُقسم بالله يمينًا بَرَّةً لو رآه الشافعي لَتَبَجّح بمكانه، وترجَّح عنده على أَقرانه، وترشّح لأن يكون في طبقة مَن عاصَرَه وكان في زمانه.» (١١)
_________
(١) السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٣٣٢) والسلطان المذكور هو الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون الصالحي، كان ملكا عضيما عارفا شهما خبيرا بمصالح نفسه، طالت مدته واشتد بأسه، خلع من السلطنة وتوفي سنة ٧٦٢هـ،، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٣/ ٢٤٠)
(٢) من خوانق القاهرة، أنشأها بيبرس الجاشنكيري سنة ٧٠٩هـ، انظر: السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٢٩)
(٣) من خوانق القاهرة، انشئت عام ٧٣٦هـ، السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٣٢)
(٤) من خوانق القاهرة، أنشأها الأمير سيف الدين شيخو سنة ٧٥٧هـ، السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٣٠)
(٥) بناها الأمير سيف الدين صرغمتش سنة ٧٥٧هـ ورتب فيها درسا للحديث وآخر للفقه الحنفي، السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٣١)
(٦) من مدارس دمشق، أنشأها الظاهر بيبرس وأتم بناءها السلطان سيف الدين قلاوون وهي اليوم مقر دار الكتب الوطنية بدمشق كما أفاده محقق كتاب الدارس، انظر: النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (١/ ٣٤٨)
(٧) من مدارس دمشق، أنشئت سنة ٦٦٥هـ، النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (١/ ٣٥١)
(٨) من مدارس دمشق بناها الملك الناصر بن صلاح الدين ٦٥٣هـ، النعيمي، الدارس في تاريخ المدارس (١/ ٢٤١)
(٩) السيوطي، حسن المحاضرة (٢/ ٢٢٤)، ومن هذه المدارس: المدرسة الصلاحية والمدرسة الكاملية والمدرسة الصالحية وغيرها
(١٠) أضف إلى هؤلاء العلماء أسرة التاج السبكي وشيوخه وتلامذته؛ إذ كلهم علماء أفذاذ ونجباء، والذين آثرت ذكرهم في الموضع اللائق بهم هناك فانظره.
(١١) التاج السبكي، طبقات الشافعية (٩/ ٢٥)
1 / 20
من مصنفاته: «المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي»، «كفاية النبيه في شرح التنبيه»، كتاب في هدم الكنائس سماه «النفائس في هدم الكنائس» وغيرها (١).
٠٢ ابن الزملكاني: الإمام العلامة المناظر محمد بن علي بن عبد الواحد كمال الدين بن الزملكاني، شيخ الشافعية في زمانه، انتهت إليه رياسة المذهب تدريسًا وإفتاء، ذَكَره الذهبي في المعجم المختص وقال: «شيخنا قاضي القضاة عَلَمُ العصر ... كان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء أهل زمانه، دَرَّس ... وأفتى وتَخَرّج به الأصحاب.» (٢)
له تصانيف نافعة كثيرة، منها: «شرح منهاج النووي»، «كتاب في تفضيل البشر على المَلَك»، كتاب في «الرد على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة»، وغيرها، توفي رحمة الله سنة ٧٢٧هـ (٣)
٠٣ ابن تيمية: الإمام أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني الدمشقي، العلامة الحنبلي المعروف، ذَكَره الذهبي في معجمه وقال عنه: «برع في علوم الآثار والسنن ودرّس وأفتى وصنّف التصانيف البديعة، وانفرد بمسائل فَنِيلَ من عرضه لأجلها، وهو بشر له ذنوب وخطأ، ومع هذا فوالله ما قلّت عيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه ولا رأى.» اهـ (٤)
وقال ابن كثير في حقه: «وبالجملة كان ﵀ من كبار العلماء ممن يخطئ ويصيب، ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة من بحر لُجِّي.» (٥)
من مصنفاته: «الفتاوى»، «الصارم المسلول على شاتم الرسول»، «اقتضاء الصراط ... المستقيم» وغيرها، توفي ﵀ بدمشق سنة ٧٢٨هـ (٦).
٠٤ الإسنوي: الإمام الفهّامة الأصولي الناقد جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر الإسنوي، شيخ الشافعية في زمانه وفقيههم، وأَكثَرُ أهل زمانه اطلاعًا على كتب المذهب، قال عنه ابن شهبة: «أَكثَرُ علماء الديار المصرية طَلَبتُه، وكان حَسَن الشكل، حَسَن التصنيف، ليِّنَ الجانب، كثيرَ الإحسان إلى طلبته، ملازمًا للإفادة والتصنيف.» (٧)
له المصنفات النافعة المفيدة منها: «شرح منهاج الوصول للبيضاوي»، «التنقيح على ... التصحيح»، «المهمات»، «التمهيد»، وغيرها، توفي رحمه الله تعالى سنة ٧٧٢هـ (٨).
_________
(١) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (١٤/ ٤٧١)، الإسنوي، طبقات الشافعية (١/ ٦٠١)، ابن شهبة، طبقات الشافعية (٢/ ٢٧٣)
(٢) الذهبي، المعجم المختص ص ١٦٥ - ١٦٦
(٣) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (١٤/ ٥٤٨)، التاج السبكي، طبقات الشافعية (٩/ ١٩٠)
(٤) الذهبي، المعجم المختص ص ٢٦
(٥) ابن كثير، البداية والنهابة (١٤/ ٥٥٧)
(٦) انظر ترجمته في ابن كثير، البداية والنهاية (١٤/ ٥٥٢ – ٥٥٧)، الذهبي، المعجم المختص ص ٢٥ - ٢٦
(٧) ابن شهبة، طبقات الشافعية (٣/ ١٣٤)
(٨) انظر ترجمته في ابن شهبة، طبقات الشافعية (٣/ ١٣٢ – ١٣٥)، ابن هداية الله، طبقات الشافعية ص ٢٣٦
1 / 21
٠٥ ابن كثير: الإمام الحافظ عماد الدين أبو الفداء اسماعيل بن كثير بن ضَوء بن كثير القرشي الدمشقي، المؤرخ المتفنن والمفسر النقاد، ذَكَره الذهبي في معجمه فقال: «يدري الفقه، ويفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والتفسير والرجال وأحوالهم.» (١)
من مصنفاته المشهورة: «البداية والنهاية» وهو في التاريخ، «التفسير»، «طبقات ... الشافعية»، «تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب»، توفي بدمشق سنة ٧٧٤هـ (٢).
٠٦ التفتازاني: الإمام المحقق المتكلم الأصولي النظار سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، عالم النحو والبيان والأصلين والمنطق وغيرها.
قال عنه ابن حجر (٣): «كان قد انتهت إليه معرفة علوم البلاغة والمعقول بالمشرق، بل بسائر الأمصار، لم يكن له نظير في معرفة هذه العلوم، مات ولم يخلف بعده مثله».
من مصنفاته: «شرح العقائد النسفية»، «المقاصد» في أصول الدين، «شرح الشمسية» في المنطق، «شرح تصريف الغزي» في الصرف، «التلويح» في أصول الفقه، وغيرها الكثير.
توفي رحمه الله تعالى سنة ٧٩٢هـ (٤).
المبحث الثاني
اسمه، نسبه، أسرته
المطلب الأول: ذِكْر مصادر ترجمته:
تعدّ شخصية التاج السبكي شخصية عبقرية فَذَّة، كانت ولا تزال مثار اهتمام العديد من المؤرخين والدارسين، لذا فليس من المستغرب أن تجد كتب التاريخ والطبقات حافلة بذِكْره وذِكْر أخباره وآثاره، وقد استقرأت كل ما وقع تحت يدي من كتب التاريخ والطبقات بحثًا عن التاج السبكي فوجدت له ذِكْرًا عند كل من:
؟ الذهبي (ت ٧٤٨هـ) في المعجم المختص ص ١٠٨.
؟ الصفدي (ت ٧٦٤هـ) في «الوافي بالوفيات» (١٩/ ٣١٥) وفي «أعيان العصر» (٣/ ١٣٢، ٤٣٦، ٤٣٧، ٦٥٧ وغيرها).
؟ الحسيني (ت ٧٦٥هـ) في «ذيله على العبر» (٤/ ١٧٧، ٢٠٠).
؟ ابن رافع (ت ٧٧٢هـ) في «الوفيات» (٢/ ٣٦٤).
؟ ابن كثير (ت ٧٧٤هـ) في «البداية النهاية» (١٤/ ٦٨٨، ٦٩٠، ٧٢٦، ٧٣٥، ٧٤٦، ٧٢٨).
؟ ابن حبيب (ت ٧٧٩هـ) في «تذكرة النبيه» (٣/ ٢١٨).
؟ ابن العراقي (ت ٨٢٦هـ) في «ذيله على العبر» (٢/ ٣٠٣).
؟ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت ٨٤٢هـ) في «مجالس في تفسير قوله تعالى:'' لقد منّ الله على ... المؤمنين ... ''» ص ٤٩ - ٥٠.
؟ المقريزي (ت ٨٤٥هـ) في «السلوك» (٤/ ٣٣٧).
؟ ابن شهبة (ت ٨٥١هـ) في «تاريخه» (٣/ ٣٧٢) وفي «طبقات الشافعية» (٣/ ١٤٠).
؟ ابن حجر (ت ٨٥٢هـ) في «الدرر الكامنة» (٢/ ٤٢٥).
؟ ابن تغري بردي (ت ٨٧٤هـ) في «النجوم الزاهرة» (١١/ ٨٦) وفي «المنهل الصافي» ... (٧/ ٣٨٥) وفي «الدليل الشافي» (١/ ٤٣٣).
؟ السخاوي (ت ٩٠٢هـ) في «وجيز الكلام» (١/ ١٢٢، ١٣٠، ١٦٢ - ١٦٣، ١٧٤، ١٧٧).
؟ السيوطي (ت ٩١١هـ) في «حسن المحاضرة» (١/ ٢٨٢).
؟ النعيمي (ت ٩٢٧هـ) في «الدارس في تاريخ المدارس» (١/ ١٨، ٣٧ - ٣٨، ٢٠٠، ٢١٦ ... وغيرها).
_________
(١) الذهبي، المعجم المختص ص ٥٦
(٢) ابن شهبة طبقات الشافعية (٣/ ١١٣ - ١١٥)، الذهبي المعجم المختص ص ٥٦
(٣) ابن حجر، الدرر الكامنة (٤/ ٣٥٠)
(٤) انظر ترجمته في ابن حجر، الدرر الكامنة (٤/ ٣٥٠)، ابن العماد، شذرات الذهب (٧/ ٦٧)
1 / 22
ابن طولون (ت ٩٥٣هـ) في «قضاة دمشق» ص ١٠٥ وفي «تاريخ الصالحية» (٢/ ٣٧١).
؟ ابن إياس الحنفي في «بدائع الزهور» (الجزء الأول، قسم ٢، ص ٩٨).
؟ طاش كبرى زاده (ت ٩٦٨هـ) في «مفتاح السعادة» (١/ ٢٨٥، ٣٤٠).
؟ ابن هداية الله (ت ١٠١٤هـ) في «طبقات الشافعية» ص ٢٣٤.
؟ حاجي خليفة (ت ١٠٦٧) في «كشف الظنون» (١/ ٤٦٧).
؟ البغدادي () في «هداية العارفين» (٥/ ٦٣٩).
؟ ابن العماد (ت ١٠٨٩هـ) في «شذرات الذهب» (٦/ ٤١٩).
؟ الغزي (ت ١١٦٧هـ) في «ديوان الإسلام» (٣/ ٤٥).
؟ الزبيدي (ت ١٢٠٥هـ) في «تاج العروس» (٧/ ١٤١).
؟ الشوكاني (ت ١٢٥٠هـ) في «البدر الطالع» ص ٤١٥.
؟ القنوجي (ت ١٣٠٧هـ) في «أبجد العلوم» (٢/ ٣٠١).
؟ الألوسي (ت ١٣١٧هـ) في «محاكمة الأحمدين» ص ٢٤.
؟ الكتاني في «الرسالة المستطرفة» ص ١٠٥ وفي «فهرس الفهارس» (٢/ ١٠٣٧).
؟ الثعالبي (ت ١٣٧٦هـ) في «الفكر السامي» (٢/ ٤١١ - ٤١٢).
؟ المراغي () في «الفتح المبين» (٢/ ١٩١ - ١٩٢).
؟ شعبان اسماعيل في «أصول الفقه: تاريخه ورجاله» ص ٣٦٣ - ٣٦٤.
؟ محمد الصادق حسين في «البيت السبكي» ص ١ - ٢٢.
؟ الزركلي في «الأعلام» (٤/ ١٨٤).
؟ كحالة في معجم المؤلفين (٢/ ٣٤٣)
؟ شاكر مصطفى في «تاريخ العرب والمؤرخون» (٤/ ٨١ - ٨٣).
؟ السيد عبد العزيز سالم في «التاريخ والمؤرخون العرب» ص ١٨١.
؟ المنجد في «معجم المؤرخين الدمشقيين» ص ١٩٩ - ٢٠٢.
كما له ذِكْر في: موسوعة طبقات الفقهاء (٨/ ١٢٤، الموسوعة العربية العالمية (١٢/ ١٣٦) والموسوعة العربية الميسرة والموسعة (١/ ٧٩)، وفي دائرة معارف القرن الرابع عشر، القرن العشرين (٥/ ٢٨).
المطلب الثاني: اسمه ونسبه
هو الإمام العلامّة قاضي القضاة شَيخُ الإسلامِ ومفتي الأنام، تاجُ الدِّين أبو نَصرٍ عَبدُ الوهّابِ ابن عليٍّ بن عَبد الكافي بن عليٍّ بن تمّام بن سَوّار بن سُلَيمٍ السُّبكيِّ الخَزْرَجيِّ الأنَصْاريِّ، الأشَعريُّ مُعتَقَدًا، الشافعيُّ مذهبًا، القاهريُّ مولدًا، والدمشقيُّ مدفنًا (١).
فاسمه: عَبدُ الوهّاب.
وكنيته: أبو نَصْر.
ولقبه: تاجُ الدِّين.
ونسبه: أـ السبكي: نسبة إلى قرية «سُبك العبيد» (٢)، من قرى المنوفية بمصر، والتي تسمى اليوم بـ «سبك الأحد» أو «سبك الحد» عند العامّة (٣).
_________
(١) انظر الصفدي، الوافي في الوفيات (١٩/ ٣١٥)، ابن رافع، الوفيات (٢/ ٣٦٢)، ابن تغري بردي، المنهل الصافي (٧/ ٣٨٥)
(٢) هناك قريتان في مصر تعرفان باسم سبك وكلاهما من أعمال المنوفية، الأولى تسمى سبك العبيد وسبك العويضات، والثانية تعرف باسم سبك الضحاك وعند العامة باسم سبك الثلاثاء، وتاج الدين مترجمنا من القرية الأولى، نص ذلك هو نفسه في ترجمته لجده عبد الكافي بن علي في الطبقات الوسطى، انظر طبقات الشافعية الكبرى (١٠/ ٨٩)، كما أكد ذلك غير واحد من المحققين منهم: الصفدي في أعيان العصر ... (٣/ ١٣٢) والفيروزابادي في القاموس المحيط، مادة سبك (٣/ ٣٠٦) والزبيدي في تاج العروس مادة سبك (٣/ ١٤٠)
(٣) انظر محمد الصادق حسين، البيت السبكي ص ٨٧، الزبيدي، تاج العروس (٧/ ١٤٠)
1 / 23