[32] وجميع المبصرات التي في عالم الكون والفساد قابلة للتغير في ألوانها وفي أشكالها وفي أعظامها وفي هيئاتها وفي ملاستها وفي خشونتها وفي ترتيب أجزائها وفي كثير من المعاني الجزئية التي تكون فيها، لأن طبيعتها مستحيلة متغيرة، ولأنها مع ذلك متهيئة للانفعال بما يعرض فيها من خارج. فالتغير طبيعي لها، والتغير الذي يصح أن يدركه البصر ممكن في جميعها وإن كان فيها ما ليس يمكن أن يظهر للبصرتغيره في الاستحالة، فليس شيء منها ليس يمكن أن يعرض له من خارج تغير يصح أن يظهر للبصر. فليس شيء من المبصرات التي في عالم الكون والفساد ليس يمكن أن يقبيل تغيرا يظهر للبصر. وإذا كانت جميع المبصرات متهيئة للتغير ويمكن أن تتغير تغيرا ظاهرا للبصر، فليس شيء من المبصرات التي يدركها البصر وقد تقدم إدراكه لها وتحقق صورته وهو ذاكر لصورها يكون واثقا عند إدراكه لها في الثاني بأنه على صورته التي كان عليهما في الأول ولم يحدث فيه تغير، إذ كان التغير ممكنا في جميع المبصرات. فإذا أدرك البصر مبصرا من المبصرات، وكان قد أدرك ذلك المبصر من قبل ذلك الوقت وتأمله وتحقق صورته، وكان ذاكرا لصورته، فإنه في حال مشاهدته قد أدركه وقد عرفه. فإن كان قد حدث في ذلك المبصر تغير ظاهر أدرك ذلك التغير في حال مشاهدته. وإن لم يكن حدث فيه تغير ظاهر فهو يعرفه ويظنه عند معرفته على الصفة التي يعرفها منه، ومع ذلك فإنه إذا لم يستأنف تأمله فليس هو واثقا بأن صورته التي يعرفها منه باقية على هيئتها ولم يتغير شيء منها، إذ كان ممكنا أن يكون قد حدث فيه تغير خفي لا يظهر إلا بالتأمل، فإن استأنف تأمله تحققت له صورته، وإن لم يستأنف تأمله فليس يكون بإدراكه لذلك المبصر ومعرفته به متحققا لصورته. فإدراك البصر للمبصرات بتقدم المعرفة وبالأمارات وباليسيرمن التأمل ليس هو إدراكا محققا، وليس يدرك البصر المبصر إدراكا محققا إلا بتأمل المبصر في حال إدراكه لذلك المبصر وبتفقد جميع المعاني التي في ذلك المبصر وتمييز جميعها في حال إدراكه لذلك المبصر.
[33] فالإبصار يكون على وجهين: إبصار بالبديهة وإبصار بالتأمل. والإبصار بالبديهة يدرك به من المبصر المعاني الظاهرة فقط، وليس يتحقق بالبديهة صورة المبصر. والإبصار بالبديهة يكون بمجرد البديهة وقد يكون بالبديهة مع تقدم المعرفة. والإبصار بمجرد البديهة هو إبصار المبصرات التي لا يعرفها البصر في حال ملاحظتها ولا يتأملها مع ذلك في الحال. والإبصار بالبديهة مع تقدم المعرفة هو إبصارالمبصرات التي تقدمت معرفة البصر بها إذا عرفها البصر في حال ملاحظتها ولم يستأنف مع ذلك تأملها. وعلى كلى الحالين ليس يدرك البصر بالبديهة حقيقة المبصر، تقدمت معرفته بالمبصر أو لم تتقدم معرفته به.
مخ ۳۳۷