[22] والمبصرات التي تقدم إدراك البصر لها وهو عارف بصورها وذاكر لها قد يدركها البصر بالأمارات، وليس كذلك المبصرات الغريبة التي لم يرها البصر من قبل والمبصرات التي قد شاهدها البصر وأنسي مشاهدتها. فإن البصر إذا أدرك مبصرا لم يره من قبل ذلك الوقت، وأدرك تخطيط بعض أجزائه، فليس يدرك من ذلك البعض مائية ذلك المبصر، لأنه ليس عنده لبقية أجزائه صورة مستقرة، فليس يدرك البصر حقيقة المبصر الذي لم يره من قبل إلا باستقراء جميع أجزائه وجميع المعاني التي فيه. وكذلك المبصر الذي قد شاهد البصر من قبل وليس هو ذاكرا لمشاهدته ليس يتحقق صورته إلا بعد أن يتأمل جميع المعاني التي فيه. وإدراك بعض المعاني التي في الصورة تكون في زمان أقصر من الزمان الذي تدرك فيه جميع المعاني التي في الصورة. والإبصار الذي يكون بالتأمل مع تقدم المعرفة قد يكون في أكثر الأحوال في زمان أقصر من الزمان الذي يكون فيه الإبصار بمجرد التأمل، وهذه العلة صار البصر يدرك المبصرات المألوفة إدراكا في غاية السرعة وفي زمان خفي عن الحس ولا يكون بين مقابلة البصر للمبصر وبين إدراكه لمائية المبصر المألوف زمان محسوس في أكثر الأحوال. وذلك أن الإنسان منذ الطفولية ومنذ مبدأ النشوء يدرك المبصرات وتتكرر عليه أشخاص المبصرات وتتكرر عليه الصور الكلية التي لأنواع المبصرات. وقد تبين أن صور المبصرات التي يدركها البصر تحصل في النفس وتتشكل في التخيل، وأن الصور التي تتكرر على البصر تثبت في النفس ويستقر تشكلها في التخيل. فجميع المبصرات المألوفة وجميع الأنواع المألوفة وجميع المعاني المشهورة قد حصلت صورها مستقرة في النفس ومتشكلة في التخيل وحاضرة للذ كر. فإذا أدرك البصر مبصرا من المبصرات المألوفة وأدرك جملة صورته وأدرك من بعد الجملة أمارة تخص ذلك المبصر، أدرك مائية ذلك المبصر في حال إدراكه لتلك الأمارة، ويكون إدراكه المبصر بتقدم المعرف وباليسيرمن التأمل لاستئناف تأمل جميع المعاني التي فيه في حال إدراكه الذي عرفه فيه. والمبصرات المألوقة يدركها البصر ويدرك مائياتها بالأمارات وبتقدم المعرفة، فيكون إدراكه لمائياتها في أكثر الأحوال في زمان غير محسوس، لأنه يكون باليسير من التأمل ومن إدراكه بعض المعاني التي فيها بالتأمل.
مخ ۳۳۰