[100] وقد تبين كيف يدرك البصر صورة المبصر بمجرد الإحساس. ففي حال حصول صورة المبصر في البصر قد أدرك الحاس لون المبصر وضوءه والموضع من البصر الذي تلون وأضاء بتلك الصورة، وأدركت القوة المميزة جهته وبعده في حال إدراك الحاس لضوئه ولونه. فيصير إدراك الضوء واللون والجهة والبعد معا، أعني في أقل القليل من الزمان. والجهة والبعد هما المقابلة، والضوء واللون هما صورة المبصر، وإدراك الصورة مع إدراك المقابلة هو الذي يتقوم منه إدراك المبصر في مقابلة البصر. فإدراك المبصر في مقابلة البصر إنما هو من أجل أن الضوء والمقابلة يدركان معا. ثم لاستمرار هذا المعنى وكثرة تكرره صارت الصورة أمارة للحاس وللقوة المميزة. ففي حال حصول الصورة في البصر قد أدركها الحاس وأدركت القوة المميزة المقابلة وتقوم منهما إدراك المبصر في موضعه. فعلى هذه الصفة يكون إدراك المبصر في موضعه، وكذلك كل جزء من أجزاء المبصر.
[101] فإن كان بعد المبصر من الأبعاد المعتدلة المتيقنة المقدار كان موضع المبصر الذي فيه يدركه البصر هو موضعه الحقيقي. وإن لم يكن بعد المبصر من الأبعاد المتيقنة المقدار فإدراك المبصر في مقابلة البصر يكون متيقنا على جميع الأحوال، لأن المقابلة تتقوم من الجهة ومن البعد بما هو بعد. وموضع المبصر الذي يدركه البصر فيه يكون مظنونا غير متيقن لأن الموضع المتيقن إنما يدرك من تيقن مقدار البعد.
[102] فأما أوضاع سطوح المبصرات عند البصر فإنها تنقسم قسمين: هما المواجهة والميل. والسطح المواجه للبصر هو الذي إذا أدركه البصر في حال المواجهة كان سهم الشعاع يلقي نقطة منه ويكون السهم مع ذلك قائما على السطح قياما معتدلا. والسطح المائل هو الذي إذا أدركه البصر في حال ميله ولقي سهم الشعاع نقطة منه كان مائلا على السطح لا قائما عليه قياما معتدلا على احتلاف ضروب الميل.
[103] فأما نهايات سطوح المبصرات والخطوط التي تكون في المبصرات والمسافات التي بين المبصرات وبين أجزاء المبصرات فإنها تنقسم قسمين: فأحدهما الخطوط والمسافات المقاطعة لخطوط الشعاع، والآخر الخطوط والمسافات الموازية لخطوط الشعاع المسامتة لها. والخطوط والمسافات المقاطعة لخطوط الشعاع تنقسم أوضاها إلى الميل والمواجهة على مثل ما تنقسم إليه أوضاع السطوح. والخط المواجه هو الذي ينتهي سهم الشعاع إلى نقطة منه ويكون قائما عليه على زوايا قائمة. والخط المال هو الذي إذا انتهى سهم الشعاع إلى نقطة منه كان مائلا عليه لا قائما.
مخ ۲۵۸