[54] والذي يدركه البصر من اللون في أول حصوله في البصر هو التلون. والتلون هو ظلمة ما، أو كالظل إذا كان اللون رقيقا. فإن كان المبصر ذا ألوان مختلفة فإن أول ما يدرك البصر من صورته هو ظلمة أجزاؤها مختلفة الكيفية في القوة والضعف، وكالأظللال المختلفة في القوة والضعف. فأول ما يدركه البصر من صورة اللون هو تغير العضو الحاس وتلونه الذي هو ظلمة أو ما تجري مجرى الظلمة. ثم يميز الحاس ذلك التلون، فإذا كان المبصر مضيئا تميز للبصر ذلك اللون وأدرك مائيته وتحقق أي لون هو، إذا كان من الألوان التي قد أدرك أمثالها. وإذا كان من الألوان التي قد أدرك أمثالها دائما فإنه يدرك مائيته في أقل القليل من الزمان وفي الآن الثاني الذ] بينه وبين الآن الأول الذي أدرك فيه اللون بما هو لون زمان محسوس. وإن كان من الألوان المشتبهة التي لم يدرك البصر أمثاها من قبل إلا يسيرا، أو كان في موضع مغدر ضعيف الضوء، فليس يدرك البصر مائيته إلا في زمان محسوس. وإن كان المبصر مظلما وليس فيه إلا ضوء يسير، كالذي يدرك في الليل وفي الغلس وفي المواضع المغدرة الشديدة الغدرة، فإن الحاس إذا ميز اللون الذي يدركه في هذه المواضع لم يتميز له ولم يحصل له منه إلا ظلمة فقط. فيتبين من إدراك الألوان في المواضع المغدرة أن إدراك اللون بما هو لون يكون قبل إدراك مائيته، ويخفى أن إدراك مائية اللون يكون بعد التمييز ومن بعد إدراك اللون بما هو لون من إدراك الألوان المشرقة المألوفة في المواضع المضيئة.
[55] وما يدل أيضا على أن البصر يدرك اللون بما هو لون قبل أن يدرك أي لون هو هو الألوان الغريبة. فإن البصر إذا أدرك لونا غريبا لم ير مثله من قبل، فإنه يدرك أنه لون ومع ذلك لا يعلم أي لون هو، وإذا تأمله فضل تأمل شبهه بأقرب الألوان التي يعرفها شبها به.
مخ ۲۳۷