کتاب المناظر

ابن الهيثم d. 430 AH
106

کتاب المناظر

كتاب المناظر

ژانرونه

[67] وهذا التأثير الذي يؤثره الضوء في الجليدية هو من جنس الألم. إلا أن من الآلام ما ينزعج له العضو المتألم وتقلق له النفس ومن الآلام ما يكون محتملا فلا ينزعج له العضو المتألم ولا تقلق له النفس لسهولته. وما كان على هذه الصفة من الألم فليس يظهر للحس ولا يحكم المتألم به أنه ألم لسهولته عليه. والذي يدل على أن تأثير الأضواء في البصر هو من جنس الألم هو أن الأضواء القوية تزعج البصر وتؤلمه. ويظهر للحس تألم البصر بالضوء القوي كضوء الشمس إذا حدق الناظر إلى نفس جرم الشمس، وكضوء الشمس المنعكس عن الأجسام الصقيلة إلى البصر، فإن هذه الأضواء تؤلم البصر وتزعجه إزعاجا شديدا ويظهر تألم البصر بها. وتأثيرات جميع الأضواء في البصر من جنس واحد، وإنما تختلف بالأشد والأضعف. وإذا كانت كلها من جنس واحد، وكان تأثير القوي من الأضواء من جنس الألم، فجميع تأثيرات الأضواء في البصر من جنس الألم وإنما تختلف بالأشد والأضعف، ولسهولة تأثير الأضواء الضعيفة والمعتدلة في البصر يخفى عن الحس أنها آلام، فإحساس الجليدية بتأثيرات الأضواء هو إحساس من جنس الإحساس بالآلام. والجليدية متهيئة للانفعال بالأضواء والألوان والإحساس بها تهيؤا في الغاية، فلذلك تحس بجميع الأضواء وجميع الألوان وتحس بالضعيف الخفي من الأضواء الذي يبعد في التخيل أنه يؤلم البصر ويؤثر فيه تأثيرا من جنس الألم للطف حسها وشدة تهيئها.

[68] ثم إن هذا الإحساس الذي يقع عند الجليدية يمتد في العصبة الجوفاء، ويتأدى إلى مقدم الدماغ، وهناك يكون آخر الإحساس. والحاس الأخير الذي هو القوة النفسانية الحساسة تكون في مقدم الدماع، وهذه القوة هي تدرك المحسوسات، والبصر إنما هو آلة من آلات هذه القوة، وغاية البصر أن يقبل صور المبصرات التي تحصل فيه ويؤديها إلى الحاس الأخير، والحاس الأخير هو الذي يدرك تلك الصور ويدرك منها المعاني المبصرة التي تكون في المبصرات. والصورة التي تحصل في سطح الجليدية تمتد في سطح الجليدية، ثم في الجسسم اللطيف الذي في تجويف العصبة إلى أن تنتهي إلى العصبة المشتركة، وعند حصول الصورة في العصبة المشتركة يتم الإبصار، ومن الصورة التي تحصل في العصبة المشتركة يدرك الحارس الأخير صورة المبصر.

[69] والناظر إنما يدرك المبصرات ببصرين. وإذا كان الإبصار من الصورة التي تحصل في البصر، وكان الناظر يدرك المبصرات ببصرين، حصلت صور المبصرات في كل واحد من البصرين، فيحصل للمبصر الواحد في البصرين صورتان. ومع ذلك فإن الناظر يدرك المبصر الواحد في أكثر الأحوال واحدا، وإنما كان ذلك كذلك لأن الصورتين اللتين تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدا إذا انتهتا إلى العصبة المشتركة التقت الصورتان وانطبقت إحديهما على الأخرى وصار منهما صورة واحدة، ومن الصورة التي تتحد من الصورتين يدرك الحاس الأخير صورة ذلك المبصر.

مخ ۱۶۳