Manasik al-Hajj wal-Umrah wal-Mashru' fi al-Ziyarah
مناسك الحج والعمرة والمشروع في الزيارة
خپرندوی
مكتبة الأمة
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٣ هـ
د خپرونکي ځای
عنيزة
ژانرونه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدهِ الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فهذه فصولٌ في السفر والحج وزيارة المسجد النبوي ألقيناها في عدة مجالس، وكتبناها في فصولٍ:
· الفصل الأول: في السفر وشيء من آدابه وأحكامه.
· الفصل الثاني: في شروط الحج.
· الفصل الثالث: في المواقيت وأنواع الأنساك.
· الفصل الرابع: فيما يجب به الهدي من الأنساك وصفة الهدي.
· الفصل الخامس: في محظورات الإحرام.
· الفصل السادس: في صفة العمرة.
· الفصل السابع: في صفة الحج.
· الفصل الثامن: في واجبات الحج.
· الفصل التاسع: أخطاء يرتكبها بعض الحجاج.
· الفصل العاشر: في زيارة المسجد النبوي.
· أسئلة وأجوبة في بعض مسائل الحج.
وقد أضفنا إليها أسئلة مهمة في هذه الموضوعات. أسأل الله أن يجعلها خالصةً لوجهه، وأن ينفع بها، إنه جوادٌ كريمٌ.
المؤلف
1 / 1
الفصل الأول في السفر وشيء من آدابه وأحكامه
السفر: مفارقة الوطن، ويكون لأغراض كثيرة؛ دينية ودنيوية.
وحكمه: حكم الغرض الذي أُنشىء من أجله:
فإن أُنشىء لعبادة كان عبادة؛ كسفر الحج والجهاد.
وإن أُنشىء لشيء مباح كان مباحًا: كالسفر للتجارة المباحة.
وإن أُنشىء لعمل محرّم كان حرامًا كالسفر للمعصية والفساد في الأرض.
وينبغي لمن سافر للحج أو غيره من العبادات أن يعتني بما يلي:
(١) إخلاص النية لله ﷿، بأن ينوي التقرب إلى الله ﷿ في جميع أحواله لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته مقربة له إلى الله ﷾، تزيد في حسناته، وتكفّر سيئاته، وترفع درجاته.
قال النبي ﷺ لسعد بن أبي وقاص ﵁: «إنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها حتى ما تجعله في فِي امرأتك» أي: فمها، متفق عليه.
1 / 2
(٢) أن يحرص على القيام بما أوجب الله عليه من الطاعات واجتناب المحرمات، فيحرص على إقامة الصلاة جماعةً في أوقاتها، وعلى النصيحة لرفقائه وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ودعوتهم إلى الله ﷿ بالحكمة والموعظة الحسنة.
ويحرص كذلك على اجتناب المحرمات القولية والفعلية، فيجتنب الكذب والغيبة والنميمة والغش والغدر، وغير ذلك من معاصي الله ﷿.
(٣) أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة من الكرم بالبدن والعلم والمال، فيُعين من يحتاج إلى العون والمساعدة، ويبذل العلم لطالبه والمحتاج إليه، ويكون سخيًا بماله، فيبذله في مصالح نفسه ومصالح إخوانه وحاجاتهم.
وينبغي أن يُكثر من النفقة وحاجات السفر، لأنه ربما تعرض الحاجة وتختلف الأمور.
وينبغي أن يكون في ذلك كله طَلْقَ الوجه، طيب النفس، رضي البال، حريصًا على إدخال السرور على رفقته ليكون أليفًا مألوفًا.
وينبغي أن يصبر على ما يحصل من جفاء رفقته
1 / 3
ومخالفتهم لرأيه، ويداريهم بالتي هي أحسن، ليكون محترمًا بينهم، مُعظّمًا في نفوسهم.
(٤) أن يقول عند سفره وفي سفره ما ورد عن النبي ﷺ؛ فمن ذلك: إذا وضع رجله في مركوبه فليقل: بسم الله، فإذا ركب واستقر عليه فليذكر نعمة الله عليه بتيسير هذا المركوب له، ثم ليقل: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ؟وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف: ١٣-١٤) اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بُعدَه، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل.
وينبغي أن يُكبر كلما صعد مكانًا عُلوًا، ويُسبح إذا هبط مكانًا منخفضا.
وإذا نزل منزلا فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فمن نزل منزلًا ثم قالها لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك.
1 / 4
الصلاة في السفر
يجب على المسافر أن يحافظ على أداء الصلاة في أوقاتها جماعةً، كما يجب على المقيم كذلك.
قال الله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) (النساء: ١٠٢) فأوجب الله الجماعة على الطائفتين في حال الحرب والقتال مع الخوف، ففي حال الطمأنينة والأمن تكون الجماعة أوجب وأولى.
ولقد كان رسول الله ﷺ وأصحابه يُواظبون على صلاة الجماعة حَضرًَا وسفرا حتى قال عبد الله بن مسعود ﵁: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف. رواه مسلم.
ويجب أن يعتني بوضوئه وطهارته، فيتوضأ من الحدث الأصغر، كالبول والغائط والريح والنوم المستغرق، ويغتسل من الجنابة كإنزال المني
1 / 5
والجماع.
فإن لم يجد الماء، أو كان معه ماء قليل يحتاجه لطعامه وشرابه، فإنه يتيمم لقوله تعالى:
(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة: ٦) وكيفية الوضوء والغُسل معلومة.
وكيفية التيمم أن يضرب الأرض بيديه فيمسح بهما وجهه وكفيه؛ ففي «صحيح البخاري» أن النبي ﷺ قال لعمار بن ياسر ﵁: «يكفيك الوجه والكفان»، وفي رواية: ضرب النبي ﷺ بيده الأرض فمسح وجهه وكفيه وفي رواية مسلم ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة.
وطهارة التيمم طهارةٌ مؤقتة، فمتى وجد الماء بَطلت ووجب عليه استعماله، فإذا تيمم عن جنابة ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال عنها، وإذا تيمم من الغائط ثم وجد الماء وجب عليه الوضوء عنه.
وفي
1 / 6
الحديث: «الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته» (١) .
والسنة للمسافر أن يقصر الصلاة الرباعية، وهي الظهر والعصر والعشاء الآخرة إلى ركعتين، لما في «الصحيحين» من حديث ابن عمر ﵄ قال: صحبتُ رسول الله ﷺ وكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك.
وفي «صحيح البخاري» عن عائشة ﵂ قالت: «فُرِضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي ﷺ ففرضت أربعًا، وتُركت صلاة السفر على الأولى» .
فالسنة للمسافر قَصرُ الصلاة الرباعية إلى ركعتين من حين أن يخرج من بلده إلى أن يرجع إليه، سواء طالت مدة سفره أم قَصرُت.
وفي «صحيح البخاري» عن ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ أقام بمكة تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين يعنى عام الفتح. إلا أن يصلي المسافر خلف إمام يُصلي أربعًا فيلزمه أن يُصَلي أربعًا، سواءً
_________
(١) رواه البزار في " مسنده " (٣١٠) عن أبي هريرة، وصححه ابن القطان في " التلخيص الحبير " (١/١٥٤) للحافظ ابن حجر.
1 / 7
أدرك الإمام من أول الصلاة أم من اثنائها لقول النبي ﷺ: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» (١) . وقال النبي ﷺ: «... فما أدركتم فصلو وما فاتكم فأتموا» (٢) .
وسُئل ابن عباس ﵄: ما بال المسافر يُصلي ركعتين إذا انفرد وأربعًا إذا ائتم بمقيم؟ فقال: تلك السنة.
وكان ابن عمر ﵄ إذا صلى مع الإمام صلى أربعًا، وإذا صلى وحده صلى ركعتين، يعني في السفر.
وأما الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فهو سنة للمسافر عند الحاجة إليه، إذا جد به السير واستمر به، فيفعل ما هو الأرفق به من جمع التقديم أو التأخير؛ ففي «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك ﵁ قال: كان النبي ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغَ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحلَ صلى الظهر ثم ركب.
وللبيهقي (٣): كان رسول الله ﷺ إذا كان في سفر وزالت الشمس صلى الظهر والعصر جمعًا.
وأما إذا لم يكن المسافر محتاجًا للجمع فلا يجمع،
_________
(١) متفق عليه عن أبي هريرة.
(٢) متفق عليه عن أبي قتادة.
(٣) معرفة السنن والآثار " (٦٢٠٣) وسنده صحيح وأصله في " صحيح مسلم " (١/٤٨٩) بالاسناد نفسه.
1 / 8
مثل أن يكون نازلًا في مكان لا يريد أن يرتحل منه إلا بعد دخول وقت الثانية، فالأولى عدم الجمع لأنه غير محتاج إليه، ولذلك لم يجمع النبي حين كان نازلًا في منى في حَجّة الوداع لعدم الحاجة إليه.
وأما صلاة التطوع، فيتطوع المسافر بما يتطوع به المقيم، فيصلي صلاة الضحى وقيام الليل والوتر وغيرها من النوافل سوى راتبة الظهر والمغرب والعشاء فالسنة أن لا يُصليها.
والله ﷾ أعلم.
1 / 9
الفصل الثاني في شروط الحج
إن الشريعة الإسلامية جاءت من لَدُن حكيم خبير، لا يُشرع منها إلا ما كان مُوافقًا للحكمة، ومطابقًا للعدل، لذلك كانت الواجبات والفرائض لا تلزم الخلق إلا بشروط مرعية يلزم وجودها حتى يكون فرضها واقعًا موقعه.
فمن ذلك فريضة الحج لا تكون فرضًا على العباد إلا بشروط:
؟
الشرط الأول: أن يكون مسلمًا، بمعنى أن الكافر لا يجب عليه الحج قبل الإسلام، وإنما نأمره بالإسلام أولًا، ثم بعد ذلك نأمره بفرائض الإسلام، لأن الشرائع لا تُقبل إلا بالإسلام، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: ٥٤)
؟الشرط الثاني: العقل، فالمجنون لا يجب عليه الحج ولا يصح منه لأن الحج لا بد فيه من نية وقصد، ولا يمكن وجود ذلك من المجنون.
1 / 10
الشرط الثالث: البلوغ، ويحصل البلوغ في الذكور بواحد من أمور ثلاثة:
١ - الإنزال، أي إنزال المني لقوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور: ٥٩)، وقول النبي ﷺ: «غُسل الجمعة واجب على كل محتلم» متفق عليه.
٢ - نباتُ شعر العانة، وهو الشعر الخشن يَنبت حول القُبل لقول عطية القرظي ﵁. عُرضنا على النبي ﷺ يوم قُريظة، فمن كان محتلمًا أو أَنبتَ عانته قُتِل ومَنْ لا تُرِك. (١) .
٣- تمام خمس عشرة سنة، لقول عبد الله بن عمر ﵄، عُرضت على النبي ﷺ يوم أُحد وأنا ابن أربعَ عشرة سنة فلم يُجزني.
زاد البيهقي وابن حبان: ولم يَرَني بلغتُ، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني.
وفي رواية للبيهقي وابن حبان: ورآني بلغت.
قال نافع: فَقدِمتُ على عمر بن
_________
(١) رواه أبو داود وابن ماجه والدرامي، بسند صحيح.
1 / 11
عبد العزيز وهو خليفة فحدّثته الحديث، فقال: «إن هذا الحد بين الصغير والكبير، وكتب لعماله أن يفرضوا - يعني من العطاء - لمن بلغ خمس عشرة سنة» . رواه البخاري.
٤ - ويحصل البلوغ في الإناث بما يحصل به البلوغ في الذكور، وزيادة أمر رابع، وهو الحيضُ، فمتى حاضت فقد بلغت وإن لم تبلغ عشر سنين.
فلا يجب الحج على من دون البلوغ لصغر سنه، وعدم تحمُّله أعباء الواجب غالبًا، ولقول النبي ﷺ: «رُفع القلم عن ثلاثة؛ عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يَكبُر، وعن المجنون حتى يفيق» . رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم.
لكن يصح الحج من الصغير الذي لم يبلغ لحديث ابن عباس ﵄ أن النبي ﷺ لقي رَكبًا بالروحاء - اسم موضع - فقال: «من القوم؟» قالوا: المسلمون. فقالوا: من أنت؟ قال: «رسول الله»، فرفعت إليه امرأة صبيًا فقالت:
1 / 12
ألهذا حج؟ قال: «نعم ولكِ أجر» رواه مسلم.
وإذا أثبت النبي ﷺ للصبي حجًا ثبت جميع مقتضيات هذا الحج فليُجنَّب جميع ما يجتنبه المُحرم الكبير من محظورات الإحرام، إلا أن عمدَه خطأٌ، فإذا فعل شيئًا من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليِّه.
؟الشرط الرابع: الحرية، فلا يجب الحج على مملوك لعدم استطاعته.
؟
الشرط الخامس: الاستطاعة بالمال والبدن، بأن يكونَ عنده مال يتمكن به من الحج ذهابًا وإيابًا ونفقة، ويكون هذا المال فاضلًا عن قضاء الديون والنفقات الواجبة عليه، وفاضلًا عن الحوائج التي يحتاجها من المطعم والمشرب والملبس والمنكح والمسكن ومتعلقاته وما يحتاج إليه من مركوب وكُتبِ علمٍ وغيرها، لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (آل عمران: ٩٧) ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة مَحْرَمٌ، فلا يجب أداء الحج على من لا محرم لها لامتناع السفر
1 / 13
عليها شرعًا، إذ لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج ولا غيره بدون محرم، سواء أكان السفر طويلًا أم قصيرًا، وسواء أكان معها نساء أم لا، وسواء كانت شابة جميلة أم عجوزًا شوهاء، وسواء في طائرة أم غيرها لحديث ابن عباس ﵄ أنه سمع النبي ﷺ يخطب يقول: «لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي ﷺ: «انطلق فحج مع امرأتك» . (١)
ولم يستفصله النبي ﷺ هل كان معها نساء أم لا؟ ولا هل كانت شابة جميلة أم لا؟ ولا هل كانت آمنةً أم لا؟
والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم صونُ المرأة عن الشر والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق؛ فإن المرأة قاصرةٌ في عقلها وتفكيرها والدفاع عن نفسها، وهي مطمعُ الرجال، فربما تُخدع أو تُقهر، فكان من الحكمة أن تُمنع من السفر بدون محرم
_________
(١) متفق عليه.
1 / 14
يُحافظ عليها ويصونها؛ ولذلك يُشترط أن يكون المَحرَم بالغًا عاقلًا، فلا يكفي المحرم الصغير أو المعتوه.
والمَحرَمُ زوج المرأة، وكل ذَكرٍ تَحرمُ عليه تحريمًا مؤبدًا بقرابةٍ أو رضاع أو مصاهرة.
فالمحارم من القرابة سبعة:
١ - الأصول؛ وهم الآباء والأجداد وإن علوا، سواء من قِبَلِ الأب أو من قِبَلِ الأم.
٢ - الفروع؛ وهم الأبناء وأبناء الأبناء وأبناء البنات وإن نزلوا.
٣ - الإخوة؛ سواءٌ كانوا إخوةً أشقاء أم لأب أم لأم.
٤ - الأعمام؛ سواء كانوا أعمامًا أشقاء أم لأب أو لأم، وسواء كانوا أعمامًا للمرأة أو لأحدٍ من آبائها أو أمهاتها، فإن عم الإنسان عمٌّ له ولذريته مهما نزلوا.
٥ - الأخوال سواء كانوا أخوالًا أشقاء أم لأب أم لأم، وسواء كانوا أخوالًا للمرأة أو لأحدٍ من آبائها أو أُمهاتها، فإن خال الإنسان خالٌ له ولذريته مهما نزلوا.
1 / 15
٦ - أبناء الإخوة وأبناء أبنائهم وأبناء بناتهم وإن نزلوا، سواءٌ كانوا أشقاء أم لأب أم لأم.
٧ - أبناء الأخوات وأبناء أبنائهن وأبناء بناتهن وإن نزلوا، سواءٌ كُنّ شقيقات أم لأب أم لأم.
والمحارم من الرضاع نظير المحارم من النسب، لقول النبي ﷺ: «يحرمَ من الرضاع ما يَحرمُ من النسب» . متفق عليه.
والمحارم بالمصاهرة أربعة:
١ - أبناء زوج المرأة وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا.
٢ - آباء زوج المرأة وأجداده من قِبَل الأب أو من قِبَل الأم وإن عَلَوا.
٣ - أزواج بنات المرأة وأزواج بنات أبنائها وأزواج بنات بناتها وإن نزلن.
وهذه الأنواع الثلاثة تثبت المحرمية فيهم بمجرد العقد الصحيح على الزوجة، وإن فارقها قبل الخلوةِ والدخولِ.
1 / 16
٤ - أزواج أمهات المرأة وأزواج جداتها وإن علوا، سواء من قِبَل الأب أو من قِبَل الأم، لكن لا تثبت المحرمية في هؤلاء إلا بالوطء، وهو الجماع في نكاح صحيح، فلو تزوج امرأةً ثم فارقها قبل الجماعِ لم يكن مَحرمًا لبناتها وإن نزلن.
فإن لم يكن الإنسان مستطيعًا بماله فلا حج عليه، وإن كان مستطيعًا بماله عاجزًا ببدنه؛ نظرنا.
فإن كان عجزًا يُرجى زواله كمرض يُرجى أن يزول، انتظر حتى يزول، ثم يُؤدي الحج بنفسه.
وإن كان عجزا لا يُرجى زواله، كالكبر والمرض المُزمن الذي لا يُرجى برؤه، فإنه يُنيب عنه من يقوم بأداء الفريضة عنه لحديث ابن عباس ﵄ أن امرأة من خثعم قالت: «يا رسول الله إن أبي أدركته فريضةُ الله في الحج شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، قال: «حجي عنه» رواه الجماعة.
هذه شروط الحج التي لا بد من توافرها لوجوبه.
واعتبارها مطابقٌ للحكمة والرحمة والعدل (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ) (المائدة: ٥٠)
1 / 17
الفصل الثالث في المواقيت وأنواع الأنساك
المواقيت نوعان: زمانية ومكانية.
فالزمانية للحج خاصة، أما العمرة فليس لها زمن معين لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) (البقرة: الآية١٩٧) وهي ثلاثةٌ شوال وذو القعدة وذو الحجة.
وأما المكانية فهي خمسة، وقّتها رسول الله ﷺ ففي «الصحيحين» من حديث ابن عباس ﵄ قال: «وقّت رسول الله ﷺ لأهل المدينة ذا الحُليفة، ولأهل الشام الجُحفة، ولأهل نجد قَرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَملَم، فهنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ من غير أهلهنّ لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهنّ فمَهِلُّه من أهلِه، وكذلك حتى أهل مكة يُهلُّون منها» .
وعن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ وقّت لأهل العراق (ذات عِرْق) رواه أبو داود والنسائي.
فالأول: ذو الحليفة ويسمى (أبيار علي) بينه وبين مكة نحو عشر مراحل، وهو ميقات أهل المدينة ومن مرّ به من غيرهم.
1 / 18
الثاني: الجحفة، وهي قرية قديمة بينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل، وقد خربت فصار الناس يُحرمون من رابغ بدلًا عنها وهي ميقات أهل الشام ومن مر بها من غيرهم إن لم يمروا بذي الحليفة قبلها، فإن مروا بها لزمهم الإحرام منها.
الثالث: قرن المنازل؛ ويسمى (السيل) وبينه وبين مكة نحو مرحلتين، وهو ميقات أهل نجد ومن مر به من غيرهم.
الرابع: يلملم وهو جبل أو مكان بتهامة، بينه وبين مكة نحو مرحلتين، ويسمى (السعدية) وهو ميقات أهل اليمن ومن مر به من غيرهم.
الخامس: ذات عرق، ويسمى عند أهل نجد (الضريبة) بينها وبين مكة مرحلتان، وهي لأهل العراق ومن مر بها من غيرهم.
وَمَن كان أقربَ إلى مكة من هذه المواقيت فميقاته مكانه فَيُحرم منه، حتى أهل مكة يحرِمون من مكة، إلا في العمرة فيحرم من كان في الحَرَم من أدنى الحلّ لأن النبي ﷺ قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: «اخْرُج بأُختِك - يعني
1 / 19
عائشة لما طلبت منه العمرة - من الحَرَم فَلتُهِل بعمرة» متفق عليه.
ومن كان طريقه يمينًا أو شمالًا من هذه المواقيت فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إليه، فإن لم يُحاذِ ميقاتًا مثل أهل سواكنَ في السودان ومن يمر من طريقهم فإنهم يحرمون من جُدّة.
ولا يجوز لمن مر بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة أن يتجاوزها إلا محرمًا، وعلى هذا فإذا كان في الطائرة وهو يُريد الحج أو العمرة، وجب عليه الإحرام إذا حاذى الميقات من فوقه، فيتأهب ويلبس ثياب الإحرام قبل محاذاة الميقات، فإذا حاذاه عقد نية الإحرام فورًا.
ولا يجوز له تأخيره إلى الهبوط في جُدّة، لأن ذلك من تعدي حدود الله تعالى، وقد قال سبحانه: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (الطلاق: ١)، (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: ٢٢٩)، (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) (النساء: ١٤) . ومن مَرّ بالمواقيت وهو لا يريد حَجًّا ولا عمرة، ثم
1 / 20